معركة اللد والرملة.. الاستيلاء على المطار ومحطة السكة الحديدية ومخزن الوقود ومعسكر بيت نبالا وإقامة مفارز خاصة لحراسة هذه المواقع والدفاع عنها

معركة اللد والرملة:
إن وجود مطار عسكري صغير وآخر مدني ومحطة الهاتف الرئيسة في فلسطين في مدينتي اللد والرملة؛ إضافة إلى بعدهما 15كم عن تل أبيب، عند ملتقى خطوط المواصلات؛ جعلا من هاتين المدينتين هدفاً مغريًا للصهاينة.

وضع الصهاينة خطة للاستيلاء على المدينتين في وقت مبكر؛ فيما أدرك سكان المدينتين الخطر المحدق بهم؛ فبدأوا بتحصين الدفاعات بالتعاون مع قوات جيش الجهاد المقدس بقيادة الشيخ حسن سلامة.

وقامت اللجنة القومية التي تم تشكيلها بإشراف الشيخ حسن أبو السعود بمساع جيدة في سبيل التنظيم وتوحيد الجهود وعمل مختلف التدابير للدفاع والتسليح.

وقد قوى عزيمة سكان الرملة ومناضليها انضمام 250 متطوعًا من بدو شرقي الأردن بقيادة الشيخ فضيل الشهوان من مشايخ العجارمة؛ والشيخ جمال المجالي من مشايخ الكرك.

وأصدرت اللجنة العسكرية بدمشق في 16/2/1948 أمرًا إلى سرية من وحدات جيش الإنقاذ معها فصيل من المتطوعين المصريين بالتوجه إلى قطاع اللد والرملة.

تحركت السرية المذكورة من دمشق يوم 23 شباط بقيادة الملازم الأول عبد الجبار العراقي. ووضعت هذه القوة تحت إمرة الشيخ حسن سلامة الذي اعترفت به اللجنة العسكرية قائدًا لهذا القطاع.

وقد نشبت عدة اشتباكات بين مناضلي المدينتين والصهيونيين منذ صدور قرار التقسيم. وكان النصر حليف العرب دائما.
فقد أسقط مناضلو اللد طائرة كانت تحلق فوق مطار المدينة واستولوا مع مناضلي القرى المجاورة على المطار ومحطة السكة الحديدية ومخزن الوقود ومعسكر بيت نبالا، وأقاموا مفارز خاصة لحراسة هذه المواقع والدفاع عنها.

وظل الأمر على هذه الحال إلى أن انتهى الانتداب وأعلن قيام الكيان الصهيوني ودخلت الجيوش العربية فلسطين في حرب 1948 وأعلنت الهدنة الأولى.

وفي أثناء هذه الهدنة تحركت يوم 18/6/1948 سرية المشاة الخامسة التابعة لقيادة اللواء الثالث من الجيش الأردني؛ وكان عدد عناصرها 185 ضابطًا وفردًا، تحركت إلى مدينتي اللد والرملة لتأخذ مواقعها هناك، وتساعد الحاكم العسكري الأردني في إدارة المدينتين، وتنسق الدفاع عنهما وتعيد تنظيمه.

وقد تبين لقائد السرية أن المدينتين قادرتان على الدفاع أمام هجمات المشاة لفترة زمنية محدودة، ولكنهما لا تملكان القدرة على الدفاع والصمود في وجه الدبابات والمدفعية، وينقص القوات المدافعة عنهما في الوقت ذاته التنظيم والتدريب المتماسك.

سعى الإسرائيليون بعد استئناف القتال في 9/7/1948 إلى احتلال مدينتي اللد والرملة، والانطلاق منهما إلى مواقع الجيش الأردني في باب الواد؛ لفتح طريق القدس بالقوة، بعد فشلهم في تحقيق ذلك أثناء مرحلة القتال الأولى قبل الهدنة.

وكانت المدينتان هدفا مغريًا؛ لقلة القوات المدافعة من جهة، ولقربهما من مراكز القوات الإسرائيلية الرئيسة؛ حيث يسهل عليها التحشد والعمل من جهة ثانية، ولبعدهما عن مراكز القوات العربية من جهة ثالثة.

وقد أعطى الإسرائيليون الأسبقية لاحتلال اللد والرملة أيضا للقضاء على تجمع سكاني عربي قريب من تل أبيب، وللقضاء على فكرة المناطق المحددة في التقسيم والحصول على مكاسب إقليمية واستراتيجية وتخفيف الضغط عن القدس.

أطلق الإسرائيليون على عملية اللد والرملة الاسم الرمزي داني وخصصوا لها نخبة الجيش الإسرائيلي، وهي قوة البالماخ المؤلفة من 6.500 رجل منظمة في ثلاثة ألوية ومزودة بناقلات الجنود المدرعة المجنزرة والمدرعات والمدفعية والإسناد الجوي.

بدأ الهجوم الإسرائيلي يوم 9/7/1948، وسعى الإسرائيليون إلى عزل المدينتين عن أي مساعدة قد تأتي من الشرق؛ فتقدم إلى شرقي اللد والرملة لواءان، أحدهما من الجنوب حيث دخل قرية عنابة في الساعة الواحدة من صباح 10 تموز، ثم قرية جمزو؛ وثانيهما من اتجاه تل أبيب في الشمال الغربي.

وقد احتل هذا اللواء "ويلهمينا" ثم مطار اللد.
وباحتلاله عزلت سرية الجيش الأردني في الرملة والعباسية واليهودية.

وهكذا اكتمل تطويق المدينتين وعزلهما، ولم يستطع المناضلون في القرى المذكورة ومطار اللد الصمود طويلًا أمام هجمات الدبابات والمدفعية المنسقة.

وتعرضت المدينتان في أثناء ذلك لقصف جوي ثقيل وجه إلى مركز شرطة الرملة خاصة، وقصف مدفعي شمل الأحياء الآهلة بالسكان.

استمر ضغط الإسرائيليين على امتداد واجهة القتال. وقد ألقت طائراتهم في صباح يوم 11 تموز نشرات تدعو الأهالي إلى التسليم؛ إذ لا فائدة ترجى من القتال بعد أن أصبحت المدينتان مطوقتين، وطلبت من أهالي اللد إرسال وفد عنهم إلى مقر القيادة الإسرائيلية في قرية جمزو شرقي اللد؛ ومن أهالي الرملة إرسال وفدهم إلى مقر القيادة الإسرائيلية في قرية البرية شرقي الرملة أيضا.

ركز الإسرائيليون هجومهم على مدينة اللد أولًا فشنوا عند الظهر هجومًا قويًا عليها من الناحية الشرقية عند قرية دانيال؛ ولكن مجاهدي المدينة استطاعوا أن يصدوا الهجوم بعد معركة دامت ساعة ونصفًا، خسر الإسرائيليون فيها 60 قتيلًا، وعاد المجاهدون وقد نفد عتادهم.

ثم شن الإسرائيليون هجوما آخر بقوات أكبر تدعمها المدرعات؛ وتمكنوا في الساعة 16.00 تقريبًا من دخول مدينة اللد واحتلالها، وهم يطلقون النار على الأهالي دون تمييز. فارتقى نتيجة ذلك عدد كبير من أبناء المدينة شهداء.

وكانت قوة من حوالي سريتين، معها عدد من المدرعات من الكتيبة الأولى للجيش الأردني، قد تحركت من منطقة رام الله إلى بيت نبالا في 10 تموز؛ في حين اتجه من بقي من الكتيبة الأولى مساء 11 تموز إلى مخفر الجفتلك في غور الأردن، ومكثوا فيها يومين، ثم عادوا إلى منطقة دير قديس.

أرسل قائد اللواء الثالث الأردني دورية يوم 11 تموز إلى قرية جمزو؛ فطردت القوة الإسرائيلية منها، وقتلت عشرة من أفرادها؛ ولكن الإسرائيليين عادوا إلى القرية بعد انسحاب الدورية الأردنية منها.

وضربت قوة الكتيبة الأولى من مراكزها في بيت نبالا عدة مراكز متقدمة للقوات الإسرائيلية وطردتها منها.
أرسلت القيادة الأردنية فئة مدرعات للتثبت من الموقف في مدينة اللد.

ولما رآها أهالي المدينة، وهي تشاغل تحشدات العدو على مشارف اللد وتفرقها، ظنوا أن هذه الفئة مقدمة رتل قادم لإنقاذ اللد؛ فتشجعوا وراحوا يهاجمون الصهيونيين في كل مكان، ولا سيما في الناحية الشمالية؛ حيث دخلت المدرعات الأردنية؛ ولكن المدرعات الأردنية انسحبت بعد وقت قصير.

وقد أدى ذلك إلى تغلب القوات المعادية على المناضلين؛ فتمكنت من سكان اللد وقتلت 426 مواطنًا عربيًا؛ منهم 176 قتلوا في مذبحة نصبت لهم في مسجد المدينة.

تقدمت القوات الإسرائيلية بعد سقوط اللد باتجاه مركز القسم الواقع بين اللد والرملة، وفيه مقر الحاكم العسكري الأردني؛ وقطعت خطوط الهاتف بين قيادة السرية الأردنية الخامسة المقيمة في القسم، ومراكز الفصائل.

أرسل قائد السرية مفرزة مؤلفة من ثمانية جنود لاستطلاع الأمر، كما طلب إلى قائد حامية محطة سكة حديد اللد أن يقوم بحماية مركز القسم والحاكم العسكري الأردني.

حينما أشرف هذا القائد على المركز، وجد أن القوات الإسرائيلية أصبحت على مقربة من مقر الحاكم؛ فاشتبكت فصيلته مع قوة الاستطلاع المعادية، ودمرت لها سيارتي جيب، وغنمت بعض أسلحتها، بعد أن فر من بقي من رجالها.
وعندئذ توقف الإسرائيليون عن التقدم باتجاه الرملة، وأنقذ الحاكم العسكري الأردني مع المفرزة الموجودة في مقره.

وقد قاتل المناضلون الذين كانوا يرابطون في عمارة الشرطة بعناد إلى جانب الجيش الأردني، واندحر الإسرائيليون، وهم يظنون أن هناك قوات كبيرة تتمركز في مدينة الرملة.

جمعت السرية الأردنية الخامسة فصائلها في مركز شرطة الرملة، ثم تلقت برقية من اللواء الأردني الثالث، الذي كان يقوده العميد أشتون الإنكليزي، تأمرها بالانسحاب.  وتم الانسحاب ليلًا على الأقدام عن طريق جمزو- عنابة - بيت سيرا؛ حيث منطقة تجمع السرية.  وقد أتلفت السرية قبل الانسحاب معداتها الثقيلة وأسلحتها الزائدة.

أحكم الإسرائيليون الطوق على مدينة الرملة، وجاؤوا بحشود جديدة، وزادوا من قصفهم الجوي والمدفعي لها.

علم أبناء المدينة بخبر انسحاب السرية الأردنية؛ فاضطروا للاتصال بالإسرائيليين للتسليم؛ فذهب وفد منهم إلى قرية البرية؛ ومنها أخذهم الإسرائيليون إلى مستعمرة النعاني.

واستمرت المفاوضات من الساعة 22.00 من يوم 11/7/1948 حتى الساعة 6.00 من صباح اليوم التالي.  وقد اتفق على تسليم المدينة بشروط مكتوبة، منها: عدم التعرض للآهلين أو المساس بالأملاك.

ولما عاد الوفد إلى الرملة كانت القوات الإسرائيلية قد احتلتها، فوضع أعضاء الوفد تحت الحفظ في بلدية الرملة.
جمع الإسرائيليون شباب المدينة وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكان جمع الأسرى في مركز شرطة الرملة؛ حيث ظلوا حتى السابعة مساء؛ ثم أطلق الإسرائيليون سراح أعضاء الوفد.

وفي 13 تموز طلب الإسرائيليون من السكان إخلاء الرملة، فرفضوا؛ ولم يتقيد العدو بالشروط التي اتفق عليها مع وفد المدينة؛ بل أجبر معظم السكان على الرحيل، وأركبهم في سيارات حملتهم إلى آخر نقطة باتجاه الشرق.
وهناك تركوهم يسيرون على أقدامهم.  وقد استمرت عملية الترحيل ثلاثة أيام.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال