من الخلق الذي يلفت الأنظار، ويستأثر بالإعجاب أن يقر الفارس بفضل خصمه وبسالته.
وفي الشعر الجاهلي من هذا الضرب من الموضوعات شيء كثير، "وهذا الضرب من الشعر الذي لا يحتكر الشجاعة لجانب دون آخر، وهو الذي عرف بشعر الإنصاف، وقصائده المنصفات".
ويرى نوري القيسي أنه طبيعي أن يدفعهم هذا الخلق إلى أن يكونوا منصفين، حتى مع خصومهم ،لأن الفطرة العربية السليمة تملي على صاحبها ذلك، على الرغم من كل الاعتبارات التي كانت تحيط بالمجتمع العربي آنذاك، وعلى الرغم من كل القيم المتعارف عليها في خضم ذلك الوسط القبلي المتزمت.
ومن الشعراء الذين شهروا بهذا الفن الشعري العباس بن مرداس، والمفضل النكري، وعبد الشارق بن عبد العزى، وغيرهم كثير.
فالعباس بن مرداس بدأ قصيدته بذكر الأطلال، ثم انتقل إلى وصف الحرب، فقد سار قومه إلى الأعداء في جمع كثيف، يمتطون الإبل، ويقودون الخيل، في رحلة طويلة، قضوا فيها تسعا وعشرين ليلة، وصبحوا أعداءهم على حين غرة، هم في الحديد، وأعداؤهم في غفلة عنهم، ينحرون الإبل ويقطعونها، ولكنهم عندما رأوهم، أدّوا للحرب حقها، وقاوموا أعنف مقاومة في استبسال رائع.
ثم فخر بشجاعته التي شهد له بها الكثير، ويفخر كذلك بشجاعة قومه، وشدة طعنهم للأعداء، الذين حمتهم دروعهم من الهلاك وإن قومه قتلوا بكريم منهم ستة من أعدائهم، وقال:
سمونا لهم تسعا وعشرين ليلة
نجوب من الأعراض قفرا بسابسا
فبتنا قعودا في الحديد وأصبحوا
على الركبات يحردون الأنافسا
فلم أر مثل الحي حيا مصبحا
ولا مثلنا لما التقينا فوارسا
أكر وأحمى للحقيقة منهم
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
إذا ما شددنا شدة نصبوا لها
صدور المذاكي والرماح المداعسا
وكنت أمام القوم أول ضارب
وطاعنت إذ كان ا لطعان تخالسا
فكان شهودي معبد ومخارق
وبشر وما استشهدت إلا الأكايسا
فإن يقتلوا منا كريما فإننا
أبأنا به قتلى نذل المعاطسا
قتلنا به في ملتقى الخيل خمسة
وقاتله زدنا مع الليل سادسا
وكنا إذا ما الحرب شبت نشبها
ونضرب فيها الأبلخ المتقاعسا
التسميات
أغراض الشعر الجاهلي
