تدريس الجغرافيا في التعليم الثانوي.. إبراز الروابط الموجودة بين الظواهر الإنسانية في دراسة الفضاء الجغرافي والفهم الجيّد لمكانته في الوسط الجغرافي

تعتني برامج الجغرافيا عناية خاصّة بجغرافيا الجزائر والمغرب العربي، وذلك قصد تحسيس التلميذ بضرورة الحفاظ على موارد وطنه وبيئته. كما أنّها تعمل على تكوين قابليته للتفتّح على العالم الذي يعيش فيه، والاستعداد لمجابهة التحدّيات في الحاضر والمستقبل.
إنّ تعليم الجغرافيا يهدف إلى تزويد التلميذ بالمعارف والمهارات التي تمكّنه من الفهم السليم للفضاء الجغرافي، ومفهوم المسافة، والظواهر المتعلّقة بالتوزيع الجغرافي.        
ولا ينبغي في المرحلة التعلّمية الأولى أن تهتمّ البرامج ومحتوياتها بالتفاصيل، مثل ميكانيزمات المناخ، ومختلف مظاهر التضاريس، بل يكتفي التلميذ بمعرفة الطبيعة من خلال الخرائط والأطالس الجغرافية، ويكون قادرا على قراءة المخطّطات والسلالم، ورسم خرائط صغيرة، وفهم نشرة أحوال الطقس.
وفي التعليم الثانوي، ينبغي أن تحتوي المضامين مسائل ذات طابع نظري ومنهجي في مجال الجغرافيا. كما ينبغي أن تأخذ في الحسبان مكتسبات البحث العلمي، خاصّة تلك التي أجريت في ميدان ملاحظة الطقس عن طريق الأقمار الاصطناعية. ولا ينبغي أن يتحوّل درس الجغرافيا إلى حصّة وصف الأماكن والمناطق، بل على العكس، ينبغي أن يستغلّ كفرصة للتفكير حول هذه الأماكن والمناطق، لأنّ وراء الظواهر الطبيعية قوانين تسيّر تنظيم النشاطات البشرية في الفضاء الجغرافي.
ومن المفيد أثناء دراسة النشاطات البشرية أن نركّز الانتباه على التطوّرات الحالية المتعلّقة بالتحوّلات التكنولوجية، والتوجّهات الاقتصادية الحديثة وآثارها على الهياكل الاجتماعية والمؤسّسات السياسية.
والمقاربة الموضوعية (توزيع الجغرافيا في مجموعة من المواضيع، مثل التضاريس، الطقس، السكّان أو التواصل) ضرورية، لكنّها لا ينبغي أن تنسينا أنّ هذه العناصر ما هي إلاّ مكوّنات نظام متماسك (لا يمكن – مثلا- فهم الطقس دون فهم التضاريس). والظواهر الطبيعية هي وقائع جغرافية معقّدة، خاضعة لتطوّر دائم دون أن تفقد مظاهرها الأساسية، لذا ينبغي أن تكون مقاربة هذه الظواهر ذات طابع نقدي.
وبهذا المنظور، فإنّ أفضل مقاربة هي المقاربة النسقية التي تُعتبر مصدر الفوائد المنهجية والمعرفية: فهي تمكّن التلميذ من إبراز الروابط الموجودة بين الظواهر الإنسانية في دراسة الفضاء الجغرافي، كما تمكّنه أيضا من الفهم الجيّد لمكانته في الوسط الجغرافي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال