المعارضة الاسلامية مثلاً التي تتحدث باسم شريحة من الحراك الوطني الإسلامي ، والتي مارس رجال السلطة بحقها أقسى المجازر، و أكثرها دموية وشمولية في تاريخ سورية الحديث ، وربما القديم أيضاً ؛ كانت من المؤسسين للتوافقية الوطنية : سورية لجميع أبنائها. والمواطنة مناط الحقوق والواجبات ... وهي أصدرت أكثر من ورقة أعلنت فيها موقفا متقدما في رؤية الهوية الوطنية الجامعة للشعب السوري على الصعيدين الإسلامي والقومي.
فعلى الصعيد الأول أكدت بوضوح أن مظلة الإسلام تظلل جميع المنتمين إليه من أبناء المذاهب بمن فيهم العلويون أنفسهم . فصادرت بذلك الورقة التي طالما لعبت بها المؤسسة الأمنية (فتوى ابن تيمية) لتخويف العلويين من السكين السني القادم!!
وللحقيقة التاريخية أيضا فان المعارضة الإسلامية لم تعتمد أبدا هذه الفتوى كمنهج للتعامل مع العلويين أو مع غيرهم . كانت ورقة هذه الفتوى لعبة ماكرة للأجهزة الأمنية ، لبث الخوف والريبة بين المواطنين ،كما يقول الكاتب ، وبالتالي لحشر أبناء الطائفة وراء النظام وتفتيت الوحدة الوطنية لمصلحته.
في ظل الحقائق السابقة: سورية لجميع أبنائها ، والمواطنة مناط الحقوق والواجبات ، وسيادة القانون لا نظن أن من حق احد أن يطالب أن يكون فوق القانون ، ولا بمقدور احد أن يمنح أحدا امتيازا بقانون عرفي من نوع خاص.. دولة السواء الوطني هي التي ندعو الجميع إليها، بمن فيهم العلويون.
وحين نتحدث عن سورية لجميع أبنائها من البديهي أن نؤكد أن التفكير في مواطن القامشلي أو دير الزور أو السويداء ينبغي أن يكون على مستوى التفكير بالمواطن في حلب أو حماة أو دمشق أو طرطوس أو القرداحة.. في دولة السواء الوطني لا مكان لمنطقة تهمل على حساب أخرى. ولا حق لمواطن أن يدعي حظا في السهم الوطني أوفر من أخيه . إن الحديث عن الحكومات (السنية) السابقة أو المتعاقبة يخرج عن إطار الوصف الوطني الطبيعي.
إن الوطن الذي كان قد خرج لتوه من مرحلة الاستعمار، هو الذي فتح الباب واسعا أمام أبناء الطائفة لينضموا إلى الجيش في ظروف اجتماعية قاسية ، دون أن تحسب بدقة الحسابات التي قادت الوطن إلى هذه المآلات الصعبة!! ولا يمكن أن يكون في دولة السواء الوطني مكان لسياسات استئصال أو إقصاء أو تجويع أو تهديد بالرزق أو حرمان من فرصة العمل . ولا يمكن في دولة سيادة القانون أن تحمل وازرة وزر أخرى، وعندما يكون القانون عادلاً ، والقاضي نزيهاً ، والمحكمة دستورية فلا يخاف من تبعات القانون إلا المجرمون .. إن القوى الوطنية في سورية لا تملك (منديل أمان) تقدمه للعلويين ؛ إن لم يسع العلويون أنفسهم إلى إحلال شعار أمن الوطن مكان أمن السلطة ، أمن المستقبل مقابل مكاسب اللحظة . نقول هذا تقريراً لا تهديداً ولا تلويحاً بتهديد . لأن أحدا ببساطة لا يمتلك الساحة لحظة انطلاق (انتفاضة جماهيرية كاسحة) حسب تعبير كاتب المقال نفسه. باختصار شديد يمكن القول مع كاتب المقال ، إن كثيرا من أوراق الخلاص أو التغيير هي في أيدي العلويين ، وعلى العلويين أن يوازنوا بين الانسحاب الكيفي في اللحظة الداهمة تحت سلطان الفوضى ، وبين الانسحاب الآمن المنظم في ظل حسابات دقيقة وضمن مشروع وطني عام يبسط الجميع أيديهم إليه!!
كلمة الانسحاب هنا لا تعني انسحاباً من الجغرافيا أو انسحاباً من الحياة السياسية أو الاجتماعية فهذا النوع من الانسحاب غير وارد في أذهان أصحاب المشروع الوطني ، وإنما المقصود الانسحاب أولاً من بنية السلطة والكف عن ممارسة سياسات التسلط والفساد والابتزاز. بالطبع ستعني هذه العبارة الشريحة المنغمسة في لعبة النظام الحاطبة في حباله فقط. والانسحاب ثانيا من خندق السلطة، والكف عن دعمها ، والتغطية على جرائرها ، والخروج من ليل الصمت على سياسات العسف والظلم والفساد. انسحاب بالتقدم إلى المشروع الوطني وتحمل تبعاته بإخلاص وصدق ، والوقوف في خندق النضال الوطني إلى جانب عارف دليلة وغيره من الكثيرين الذين نظروا إلى أنفسهم على أنهم مواطنون سوريون قبل أن يكون لهم أي انتماء آخر .. وبالطبع ستجد الشرائح المسحوقة من أبناء الطائفة خلاصها الحقيقي في المشروع الوطني التحرري بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية . تدرك القوى السياسية كما يدرك المثقف السوري أن آل الأسد حكموا ويحكمون باسم الطائفة زوراُ ، ويدرك جميع هؤلاء أن امتيازات الحكم لم تنل كل أبناء الطائفة ، ولا أحد ينسى أن محمد عمران مات مقتولاً بترتيب طائفي ، وأن صلاح جديد مات في سجن حافظ ، وأن إبراهيم ماخوس ما زال في منفاه ، وأن منير الأحمد قتل تحت التعذيب ، وان سليمان الأحمد وغيرهم كثيرين كانوا أقطابا في المعارضة الوطنية ، وهم على علم أيضاً أن عبارة (آل الأسد) لم تعد دقيقة بعد انشقاق رفعت وبنيه.
ولكن من الصعب نقل هذا الإدراك إلى رجل الشارع العادي في ساعة الانتفاضة الجماهيرية الكاسحة التي أشار إليها كاتب المقال . وهذا يخيفنا كقوى وطنية مسؤولة ويفرض علينا أن نحذر منه.
معاناة العلويين في مناطقهم محسوسة للنخبة الوطنية فقط . المجتمع السوري عامة يعتبر كل علوي شريكا في السلطة !! ويضعه موضع الريبة والشك . العلويون أنفسهم هم الأقدر على الخروج من الخندق الذي حشرهم فيه النظام .
إن اشتراك العلويين مثقفين وسياسيين في صياغة مشروع الخلاص الوطني ، وفي تشخيص مواطن الخلل ، وفي اقتراح الحلول للمشكلات ؛ هو احد المخارج المنتظرة لحل الأزمة ، أو لتوقي نتائجها. التشخيص الصامت لا يجدي .والكتابة باللغة الانكليزية على المواقع الأجنبية لا تأتي بحل . والانتظار لا يعني غير تضييق أكثر للفرصة ..
والمستقبل الآمن لا يكون بوعد يصدره أي فريق وطني ، لأنه بواقعية وصدق لا يملك أحد أن يصدر مثل هذا الوعد . المستقبل الآمن ممكن والطريق إليه ميسور وهو بيد الطائفة نفسها ..إنه في الانخراط في المشروع الوطني ، والتضحية مع الآخرين ، وعزل النظام (الفرد) و(الفئة) ؛ هذا هو الطريق إلى المستقبل الأمن ..
يمتلك العلويون اليوم عدة خيارات ، سيكون أسوءها أن يقرروا الانتظار ، وكأن الأمر لا يعنيهم . بشار الأسد اليوم يلعب على وجودهم وعلى مستقبلهم . فهل يتركونه يلعب بورقتهم كما يشاء ، وأن يغامر بمستقبلهم ومستقبل أولادهم ومن باب أولى بمستقبل وطنهم سورية كما يريد؟!
بشار الأسد يرفض المشروع الوطني ، ويصر على المضي في سياسة الاستبداد والفساد لزيادة عوامل الاحتقان . بشار الأسد يرفض المصالحة الوطنية بدعوى أنه ليس هناك جرح وطني !! مائة ألف إنسان هم حصيلة المجزرة الوطنية من قتلى ومفقودين ومهجرين .إلى جانب ممارسات في السجون يندى لها الجبين .
بشار الأسد يصر على أنه ليس هناك جرح وطني . سيكون مخطئاً من يصدقه ، أو من يصدق أن هذه الدماء هانت على أهلها .. المصالحة الوطنية مخرج ، وهي ممكنة ما دامت إرادة الخير قائمة في نفوس الكثرة الكاثرة من أبناء الوطن . المصالحة الوطنية مبادرة يباشرها العقلاء من أبناء الطائفة لمصلحتهم ، لامتصاص عوامل الثأر والنقمة والغضب ..مرة أخرى لا نقول هذا تهديداً ، وإنما استجابة لرغبة كاتب المقال بألا تحيد القضايا الخطيرة .
في ظل المصالحة الوطنية لا بد أن يتحمل المسؤولون الأولون مسؤوليات جرائرهم أو جرائمهم، ومرة أخرى في ظل سيادة القانون وأمام قاض نزيه وقضاء دستوري عادل ...
الغفران الوطني لا يملكه فرد أو يمنحه حزب أو جماعة ، الغفران الوطني حالة يمكن للطائفة العلوية أن تصنعها بالسعي إلى إيجاد الظروف المناسبة لهذا الغفران وأول هذه الظروف التوقف عن تغذية الاحتقان. كل بداية سياسية ينبغي أن يكون لها ظلها الاجتماعي ، والقبول بالاحتكام إلى القانون خير من الاحتكام إلى الفوضى !! وربما يقول قائل: إن العلويين إذا لم يتلقوا تطمينات تحافظ على امتيازاتهم ومواقعهم وتغطي الجرائم التي ارتكبت باسمهم وبأيدي بعضهم ، فلن يشاركوا في التغيير ، وستكون عملية التغيير أصعب. وهذا كله صحيح ، ولكنه يعني أيضاً أن العلويين قد قرروا أن يذهبوا في المعركة ، التي فرضها آل الأسد عليهم أو باسمهم إلى نهايتها ، وهو خيار نحذر منه دون تهديد ، معركة ستكون بين الطائفة العلوية وبين انتفاضة شعبية كاسحة تشترك فيها كل مكونات المجتمع السوري بلا استثناء !!
وعلى الطرف الآخر من المعادلة اليوم قوى وطنية مدركة ومسؤولة أسقطت كل مرتكزات التفكير الطائفي والفئوي وهي تنادي بسورية لجميع أبنائها بدون استثناء فهل يسمع العلويون النداء؟ هل يقبلون بحقوق المواطنة في دولة السواء الوطني وفي ظل سيادة القانون ، وفي ظل تلك الدولة وهذا القانون لا يخاف إلا المجرمون.
التسميات
التشيع في سوريا