مجمع الأمثال للميداني.. تجسيد الروح الشعبية والتعبير عن نمط الحياة كما عاشها العرب في الحقب القديمة

يأتي مجمع الميداني امتدادا لسلسلة متتالية من الجهود العربية في مجال تدوين أمثالها؛ والتي بدأت في وقت مبكر في منتصف القرن الهجري الأول، وتواصلت على يد كثير من العلماء العرب المهتمين بهذا الفن الأدبي الذي يجسد الروح الشعبية ويعبر عن نمط الحياة كما عاشها العرب في تلك الحقب القديمة؛ والتي مازالت آثارها متوارثة، في شكل أشبه بجينات الوراثة، نجد صداها في مقومات الشخصية العربية اليوم، وإن اختلفت صورتها وتبدلت ملامحها بما يناسب ملابسات العصر ومستجداته.

هذه المرحلة المتأخرة التي شغلها كتاب "مجمع الأمثال" للميداني، أتاحت له سمة فاق بها ما سبقه من مؤلفات؛ وهي الشمول والاتساع؛ فكان بحق مجمعا جامعا مانعا لمقولات العرب وأمثالهم؛ فضم الكتاب أكثر من ستة آلاف مثل؛ هي حصيلة ما وصل إلى آذان الميداني ووعيه؛ وقد جمع مادته تلك من أكثر من خمسين كتاباً من الكتب التي سبقت مصنفه.

فيقول في ذلك: "حتى لقد تصفحت أَكْثَرَ من خمسين كتاباً ... وجعلتُ الكتابَ على نظام حروف المعجم في أوائلها، ليسهل طريق الطلب على مُتَنَاولها.. وسميتُ الكتاب ‏"‏مجمع الأمثال‏"‏ لاحتوائه على عظيم ما وَرَدَ منها، وهو ستة آلاف ونيف، والله أعلم بما بقي منها، فإن أنفاس الناس لا يأتي عليها الحصر، ولا تَنْفَدُ حتى يَنْفَدَ العصر‏".

إن في عبارة الميداني السابق ذكرها ما يدل على وعي عميق بطبيعة المثل وحقيقته؛ فهو يربط بينه وبين السلوك الإنسانية الجمعي واليومي الدائم والمستمر: "فإن أنفاس الناس لا يأتي عليها الحصر، ولا تنفد بنفد العصر"؛ إنه يدرك جيدا عمق الصلة ووشيج القربى بين المثل –بوصفه إبداعا شعبيا جمعيا- والناس وحياتهم اليومية المستمرة والمتجددة؛ بما تموج به وتضطرب من صراعات ومشاحنات وتدافع، وتضارب في المصالح والمقاصد والغايات.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال