القدوة الواعية للأولاد وارتباطهم بمرشد مخلص فاهم للدين والحياة

والمقصود من القدوة الواعية:أن يرتبط الولد بمرشد مخلص واع فاهم للإسلام،مندفع له،مجاهد في سبيله،مطبق لحدوده،لا تأخذه في الله لومة لائم.
وآفة من يتصدون للإرشاد اليوم أنهم يعطون لتلاميذتهم ومريديهم الصورة المقلوبة المشوهة عن الإسلام إلا من رحم ربك وقليل ماهم.
فمنهم من يركز توجيهه وعنايته على إصلاح النفس وتزكيتها..ويهمل واجب الأمر بالمعروف والني عن المنكر،والمناصحة للحكام،والوقوف أمام الظلم والظالمين..
ومنهم من يجعل جُلّ اهتمامه للمظاهر التي أمر الإسلام بها من لحية وجلباب ولباس رأس..ويهمل جانب العمل الحركي،والتجمع الإسلامي لإقامة حكم الله في الأرض..
ومنهم من يولي كل عنايته بالعلم الشرعي،ويهمل جانب التوجيه الدعَوي،والتحرك الجهادي..وهو يظن أنه ينصر الإسلام..ومنهم..ومنهم...
علماً بأن الإسلام كلُّ لا يتجزأ،فلا يجوز لمرشد ولا لعالم،ولا لمن يتخذه الناس قدوة أن يكتموا واجباً أمر الله به،أو أن يتغاضوا عن منكر نهى الله عنه..لعموم قوله تبارك وتعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)  [البقرة:159 - 161]}
 يُهَدِّدُ اللهُ تَعَالَى بِاللَّعْنَةِ الذِينَ يَكْتُمُونَ الحَقَّ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ إِلى النَّاسِ فِي كُتُبِهِ مِنَ الدِّينِ الصَّحِيحِ،وَالهُدَى النَّافِعِ،وَيَقْصُدُ بِهِمْ أَهْلَ الكِتَابِ،الذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ النَّبِيِّ التِي وَرَدَتْ في كُتُبِهِمْ،وَمَا بَشَّرَتْ بِهِ هذِهِ الكُتُبُ مِنْ قُربِ مَبْعَثِ نَبِيٍّ عَرَبيٍّ،يُؤْمِنُ بِاللهِ،وَيُؤْمِنُ لِلمُؤْمِنينَ .فَهؤُلاءِ الذِينَ يَكْتُمُونَ دِينَ اللهِ وَأَوامِرَهُ عَنِ النَّاسِ لِيُضِلُّوهُمْ، وَيَصْرِفُوهُمْ عَنِ الحَقِّ، فَإِنَّ الله يَلعَنُهُمُ، وَتَلْعَنُهُمُ المَلاَئِكَةُ والمُؤْمِنُونَ (الَّلاعِنُونَ).
 ( وحُكْمُ هذِهِ الآيةِ يَشْمَلُ كُلَّ مَنْ كَتَمَ عِلْماً فَرَضَ اللهُ بَيَانَهُ لِلناسِ،وَلِذلِكَ قَالَ الأَئِمَّةُ:إِنَّ الذِي يَرَى حُرُمَاتِ اللهِ تُنْتَهَكُ أَمَامَ عَيْنَيْهِ،وَالدِّينَ يُداسُ جَهَاراً بَيْنَ يَدَيهِ،وَالضَّلاَلَ يَغْشَى الهُدَى،ثُمَّ هُوَ لاَ يَنْتَصِرُ لِدِينِ اللهِ يَكُونُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّونَ وَعِيدَ اللهِ ) .
 وَيَسْتَثْنِي اللهُ تَعَالى مِنَ الَّلعْنَةِ الذِينَ تَابُوا وَأَحْسَنُوا العَمَلَ،وَرَجَعُوا عَنْ كِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللهُ،وَأَظْهَرُوا لِلنَّاسِ مَا عَلِمُوهُ مِنْ أَمْرِ الرَّسُولِ وَالرِّسَالَةِ،وَيَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ يَتَقَبَّلُ تَوْبَتَهُمْ،وَيَعْفُو عَنْهُمْ،وَيَمْحُو ذُنُوبَهُمْ [1].
ومن ملامح انحراف بعض من يتصدون للإرشاد اليوم أنهم يدّعون العصمة لأنفسهم ويربطون الحق بأشخاصهم الفانية،غير مكترثين بما يحكم الشرع لهم أو عليهم،ظناً منهم أنهم وصلوا المرتبة التي تنزههم عن الخطأ،والمقام الذي يجنبهم الوقوع في الزلل..فلا يجوز لأحد من الناس أن ينتقدهم إذا أخطأوا،ولا يصح لمريد أن يراجعهم إذا أمروا..لوصولهم إلى مرتبة الحفظ والعصمة..علماً بأن العصمة خاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام!..
فهذا الإمام مالك رحمه الله وقف مرة أمام قبر الرسول e وقال:"ما منا إلا من رَدّ ورُدّ عليه إلا صاحب هذا القبر"،وأشار إلى قبر النبي e.
ومن المواقف الخالدة التي كان يقفها العلماء الواعون المخلصون موقف عالم العصر ومرشده الشيخ (سعيد النورسي) التركي،والملقب بـ "بديع الزمان" رحمه الله وأجزل مثوبته،هذا الموقف يتلخص أنه حين أحسَّ ذات مرة أن من بين طلابه ومريديه من يذهب في تقديسه وتعظيمه حدّاً عظيماً،ويربط معالم الحق بشخصه الفاني،قال لهم موصياً وموجهاً وناصحاً:"إياكم أن تربطوا الحق الذي أدعوكم إليه بشخصي المذنب الفاني،ولكن عليكم أن تبادروا فتربطوه بينبوعه الأقدس:كتاب الله وسنّة نبيه e،ولتعلموا أنني لست أكثر من دلاّل على بضاعة الرحمن جل جلاله،ولتعلموا أنني غير معصوم،وقد يفرط مني ذنب أو يبدو مني انحراف،فيتشوّه مظهر الحق (الذي ربطتموه بي) بذلك الذنب أو الانحراف،فإما أن أكون بذلك قدوة للناس في هذا الانحراف،وارتكاب الآثام،أو صارفاً لهم عن الحق بما شوّهه واختلط به من انحرافي وآثامي".
فما على المربين إذن إلا أن يربطوا أولادهم بمرشد عالم واعٍ مخلص يعطيهم الإسلام منهاجاً شاملاً عامّاً سواء ما يتعلق في العقيدة والتشريع،أو ما يتصل بالدين والدولة،أو ما يرتبط بالتزكية والجهاد،أو ما يختص بالعبادة والسياسة..
ويعطيهم التلقين التربوي والإصلاح النفسي توجيهاً سليماً واعياً يربطهم بالحق والشرع وتوجيهات السلف..لا بوجوده الفاني،وشخصه المذنب..
ولا شك أن الأولاد حين يرتبطون بالقدوة الواعية – بهذا الشكل الذي بيناه – فيتربون على التقوى والجهاد، وينشؤون على الإخبات لله،والجرأة في الحق، ويدرجون على التعبد في المحراب، وعلى مقارعة الأعداء في ميادين القتال،عندئذ يكونون من النمط الذي قال عنهم الشاعر الإسلامي:
شباب ذلّلوا سبل المعاني وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأثبتهم نباتاً كريماً طاب في الدنيا غصونا
إذا شهدوا الوغى كانوا كُماةً يدكّون المعاقل والحصونا
وإنْ جَنّ المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا
كذلك أخرج الإسلام قومي شباباً مخلصاً حرّاً أمينا
وعلّمه الكرامة كيف تُبنى فيأبى أن يُقيّد أو يهونا
وحين يكونون على هذه الشاكلة يتحقق على أيديهم كل عزة ونصر وسيادة للإسلام والمسلمين.
[1] - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 166)

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال