الرفقة الواعية واختيار رفقاء صالحين للأطفال متميزين بالفهم الناضج والوعي الفكري والثقافي

المقصود من الرفقة الواعية أن يختار المربون لأولادهم رفقاء صالحين مأمونين متميزين عن غيرهم بالفهم الإسلامي الناضج، والوعي الفكري النابه، والثقافة الإسلامية الشاملة.
ولا شك أن الولد منذ أن يعقل ويدرك، حينما يصاحب البليدين ذهنياً وفكرياً فإنه يكتسب منهم البلادة، وحينما يخالط القاصرين عن إدراك حقيقة الإسلام ونظرته الكلية إلى الكون والحياة والإنسان فإنه يكتسب منهم القصور والمحدودية..
فلا يكفي أن يكون الرفيق صالحاً قانتاً مصلياً.. ولا أن يكون مثقفاً ذكياً عبقرياً..بل ينبغي أن يجمع مع فضيلة الصلاح والتقوى فضيلة النضج العقلي،والوعي الاجتماعي والفهم الإسلامي..حتى يكون رفيقاً سويّاً،وصاحباً ناضجاً تقيّاً..
وقد قالوا قديماً: (الصاحب ساحب).
وقال أهل المعرفة:لا تقل لي:من أنا؟ بل قل لي:من أصاحب؟ فتعرف من أنا.
وما أحسن ما قاله الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يَقتدي
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ:الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ،فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ.[1]
فما على المربين إلا أن يهيئوا لأولادهم وهم في سن التمييز الرفقة الصالحة الواعية التي تُبصّرهم حقيقة الإسلام، وتعرفهم مبادئه الشاملة، وتعاليمه الخالدة، وتعطيهم الصورة الصادقة عن هذا الدين الذي حمل لواءه أبطال كرام،وجدود أمجاد..
فكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس..
وأخيراً أزيد أن أهمس في أذن المربين والأولياء والآباء بهذه الحقيقة!!..
أليس من المؤسف المؤلم أن يصل شبابنا إلى سن التكليف ولم يعلموا أن الإسلام دين ودولة،ومصحف وسيف،وعبادة وسياسة..وأنه الدين الوحيد الذي له ملكة الشمول والخلود والبقاء للزمن المتحضّر،والحياة المتطورة؟!..
أليس من المؤسف المؤلم أن يتعلم أبناؤنا في المدارس كل شيء عن رجالات الغرب،وفلاسفة الشرق،وعن أفكارهم وآرائهم،وتاريخ حياتهم،ومآثر أعمالهم..ولم يعرفوا عن حياة أبطالنا وعظمائنا في التاريخ،وأخبار الفاتحين..سوى النذر القليل؟!..
ثم أليس من العار والشنار أن يتخرج أولادنا من المدارس وقد مسختهم الثقافات الأجنبية،والمبادئ الغربية أو الشرقية..حتى أصبح الكثير منهم أعداء لدينهم وتاريخهم وحضارتهم؟..
ثم بالتالي أليس مما يفتت القلب والكبد أن تنساق الفئة المؤمنة من الشباب وراء أدعياء الإرشاد يعطلون لهم تفكيرهم،ويقطعونهم من كل صلة ثقافية إسلامية واعية،ويمنعونهم من كل مرشد عالم مخلص،يوضح لهم حقيقة الإسلام ونظرته الكلية الشاملة؟!..
وأخيراً أليس من المخزي المؤسف أن يقتني أبناء هذا الجيل الكتب الإلحادية،والمجلات الخلاعية،والقصص الغرامية..ولم يكن عندهم أدنى اهتمام بالكتب الفكرية التي توضح نظم الإسلام،وترد على شبهات الأعداء،وتعرفهم بمفاخر التاريخ؟!.
فما عليكم – أيها المربون والآباء – إلا أن تقوموا بواجب المسؤولية تجاه أفلاذ أكبادهم،وأن تسعوا جاهدين في تصحيح أفهامهم وأفكارهم إن كانت مشوبة بأفكار دخيلة،وآراء ضالة!!..
كما عليكم أن تلقنوهم صباح مساء الردّ على دسائس الملحدين والمبشرين،وافتراءات الماديين والمستشرقين..
وفي هذا – لا شك – توعية لأفكارهم،وصيانة لعقيدتهم من أن تتأثر بالدسائس المغرضة،والمبادئ الهدامة،والعقائد المنحرفة..
فإن نهجتم هذا النهج،وسلكتم هذه السبيل اعتز أبناؤكم بدينهم،وافتخروا بأمجادهم وتاريخهم،وما عرفوا سوى الإسلام عقيدة وشريعة،ومصحفاً وسيفاً،وديناً ودولة،وعبادة وسياسة..وكانوا من الجيل الأول الذي قال عنهم الشاعر:
خلّفت جيلا من الأصحاب سيرتهم تضوع بين الورى روْحاً وريْحانا
كانت فتوحهُمو بِرّاً ومرحمة كانت سياستهم عدلا وإحسانا
لم يعرفوا الدين أوراداً ومسبحة بل أُشْبِعُوا الدين محراباً وميدانا[2]
ومن المسؤوليات التي جعلها الله أمانة في عنق الآباء والمربين جميعاً:الاعتناء بصحة عقول أبنائهم وتلامذتهم..فما عليهم إلا أن يقدروها حق قدرها،ويرعوها حق رعايتها،حتى يبقى تفكيرهم سليماً،وذاكرتهم قوية،وأذهانهم صافية وعقولهم ناضجة..
[1] - مسند أحمد (عالم الكتب) - (3 / 280)(8417) 8398- صحيح
[2] - تربية الأولاد في الإسلام لعلوان - (1 / 225)

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال