السياسة المالية للدولة الفاطمية في المغرب.. الجمع بين أصول النظام المالي في الإسلام وبين بعض أسس الدعوة الشيعية



السياسة المالية للدولة الفاطمية في المغرب (296 – 361هـ):
عندما نهتم بدراسة النظم المالية للعالم الاسلامي بصفة عامة، و النظم المالية في الغرب الاسلامي، بصفة خاصة، نلاحظ أن النظام المالي الفاطمي، كان أكثر إتقانا وإحكاما، وكان هذا النظام يهدف إلى تحقيق سياسة الفاطميين، ألا وهي إخضاع العالم الاسلامي تحت الخلافة الفاطمية.

وكانت هذه السياسة واضحة منذ البداية، بحيث إن حكم المغرب لم يكن إلا مرحلة أولى، لتحقيق هذا المشروع التوسعي الكبير.

وهناك ملاحظة أساسية تظهر في السياسة المالية الفاطمية، وهو أنه لتحقيق ذلك المشروع التوسعي، أصبحت كل الوسائل لتنفيذ هذه السياسة المالية مشروعة، وإن كانت تشكل عبئا على السكان، وإن جاءت متعارضة مع النظم المالية المعروفة في الاسلام.

و لهذا نجد أن دعاة المذهب، حاولوا أن تكون هذه السياسة المالية أصلا بارزا من أصول المذهب الإسماعيلي، فلهذا فالدارس المهتم بتاريخ السياسة الفاطمية، يجب عليه أولا التعرف على أسسها المذهبية، وإذا ما اعتمدنا على كتاب "الهمة في آداب أتباع الأئمة"، للقاضي النعمان، نجد أن هناك ذكر لهذه الأسس في الفصل العاشر، الذي نجد فيه "ذكر ما يجب للأئمة الصادقين أجره من أموال المؤمنين والمؤمنات".

وفي هذا الفصل، نجده يتحدث أولا عن الصدقات باعتبارها أول مورد مالي في الإسلام، والمراد بها صدقة الإبل والبقر والغنم، وما أخرجت الأرض، وصدقة عيد الفطر، وبعدها يبدأ القاضي النعمان في ذكر وجوب دمغها، ولو إلى إمام جائر، وعامل ظالم فيقول: "وقال بعضهم ادمغوه إليهم  ولو شربوا الخمر وأكلوا به لحم الخنزير".

ويذهب القاضي النعمان إلى مناقشة مسألة نصيب الأئمة من الغنائم، التي حددها بالخمس:" فعلى جميع المؤمنين أن يدفعوا خمس ما غنموه في كل عصر، إلى إمام ذلك الزمان من أهل بيت رسول الله (ص)... وليست الغنيمة ما أخذ من أيدي المشركين خاصة، بل ذلك كل كسب كسبه المرء فهو غنيمته"، ونجد في هذا التفسير غرابة لا يمكن فهمها، إلا إذا قورنت بالسياسة المالية الفاطمية، التي استعملت كل السبل لتحقيقها.

و لم تتوقف أصول المذهب الفاطمي فيما يخص السياسة المالية، عند هذا الحد، بل تحدثت عن امتحان الأئمة للرعية في أموالهم، وهو يمثل طريقة لجمع المال يقول القاضي النعمان: "فمن امتحنه أولياء الله منكم أيها المؤمنون، فليصبر للمحنة وأسير ذلك المال وليس فيه توقيت على الأئمة رضي الله عنهم، ولا فيما يمتحنون به أولياءهم ،عند إرتضائهم أحوالهم وابلاغهم درجة الفضيلة عندهم".

ومن الموارد المالية في الفترة الفاطمية نجد التطوع ، وبالرغم من أن القاضي النعمان، يقول فيه بأنه لم يكن إلزاميا، ولا مفروضا، فإنه يشير إلى أهمية هذا التطوع، مركزا على أن المال ما هو إلا أمانة بأيدي المؤمنين، يجب أن يرد لأصحابه أي الائمة.