الذاتية الشخصية في النقد الثقافي.. نقد ذاتي شخصي وليس نقدا علميا موضوعيا يمكن الاطمئنان إلى نتائجه المعممة

يبدو أن منهجية النقد الثقافي عبارة عن تأويل شخصي ذاتي قائم على أطروحات تاريخية أو غير تاريخية، قد تكون حقائق صحيحة أو حقائق خاطئة.

بمعنى أن نتائج النقد الثقافي نتائج انطباعية، تحتاج إلى فحص علمي دقيق تاريخي واجتماعي ونفسي وجمالي وأنتروبولوجي.

بمعنى أن النقد الثقافي نقد ذاتي شخصي، وليس نقدا علميا موضوعيا، يمكن الاطمئنان إلى نتائجه المعممة.

ومن ثم، يتحول الأدب الجمالي - حسب الناقد الثقافي- إلى تفسيرات ثقافية مادية وماركسية مكررة، وتأويلات سياسية إيديولوجية عقيمة، فلنسمع إلى مايقوله عبد الله الغذامي، وهو يحمل الشعر رسالة إيديولوجية ضحلة: إن الشعر حامل نسق، وأنه علامة ثقافية ذات بعد نسقي، مع مافيه من جمالية، وما فيه من تأثير نفسي وذوقي بليغ، وهذا التأثير هو مايسوق النموذج، ويقوي فعله فينا، ويسمح باستنساخه سياسيا واجتماعيا.

وهذا ما نقصده بمصطلح (الشعرنة)، حيث تشعرنت الثقافة، وتشعرنت معها الذات، وتشعرنت الرؤية، وصرنا كائنات مجازية، تقول ما لا تفعل، وتكذب الكذب الجميل، وتتمركز الذات على نفسها، وتتجافى مع قيم العمل لتأخذ بدلا من العمل بالمجاز، وحدث فصل رهيب بين القول والفعل، وصرنا ننسب الصفات والسمات إلى فحولنا السياسيين والاجتماعيين نسبة مجازية، وكل صفة تقال هي صفة مغتصبة، وليست من ناتج العمل والمسلك الحق.

كل هذه سمات نسقية، إذا لم نكشف مواطن تفريخها وتزيينها الذهني، فنحن سنظل نعيد إنتاجها دون وعي، ونسبب ديمومتها، وعدم تقلصها، مع ازدياد الوعي الثقافي عندنا، وكأننا نظل ننتج مزيدا من الطغاة، ومزيدا من الفحول، حتى إن مشروع الحداثة العربية الشعرية جاء ليكون مشروعا في التفحيل، ومشروعا في اللاعقلانية واللامنطقية، مما يجعله مشروعا رجعيا، وإن بدا في ظاهره حداثيا.

ويبدو لنا أن الأحكام التي يصدرها الغذامي هي أحكام ذاتية، قد لايتفق معها الكثير من الباحثين، ولاسيما إذا انطلقوا من منهجيات نقدية مغايرة، كالمنهجية البويطيقية، أو المنهجية السيميائية، أو المنهجية التفكيكية، أو جمالية التلقي...

وحينما نعد الشعر العربي في أغلبه شعر الفحولة فنحن بهذا النقد نوقف باب النقد، ونغلقه إلى الأبد، مادمنا قد حكمنا على الشعر العربي حكما واحدا ألا وهو أنه شعر الفحولة والطاغية، فلاداعي - إذا- من دراسته مرة أخرى بالمنهج الثقافي من قبل باحث آخر.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال