المدن الجديدة من منظور الاستراتيجية العمرانية الوطنية.. توخي الكفاءة في استخدام الموارد وتحقيق التنمية المتوازنة وتعزيز الترابط الوظيفي والإنتاجي بين مختلف أجزاء الحيز الوطني



بهدف تفادي المشكلات المترتبة على التوسع العمراني غير المنظم واستمرار استقطاب المدن الكبرى بالمملكة ومنها مدينة الرياض، لنسبة عالية من الزيادات السكانية بالمملكة، وبهدف توجيه وترشيد التنمية العمرانية، فقد وضعت وزارة الشؤون البلدية والقروية إطارا يحدد توجهات التنمية العمرانية على الحيز الوطني على المدى الطويل وبما يحقق الأهداف التنموية الواردة بخطط التنمية الوطنية، وأهمها: توخي الكفاءة في استخدام الموارد وتحقيق التنمية المتوازنة.
وتمثل الاستراتيجية العمرانية الوطنية التوجه العام والتصور المستقبلي لما يجب أن يكون عليه التوزيع المكاني للتنمية العمرانية على الحيز المكاني الوطني. وتؤكد الاستراتيجية على أن الخلل القائم في التوزيع المكاني للتنمية العمرانية والسكان على مستوى المدن وبين مناطق المملكة ليس وليد الساعة، بل هو نتاج تراكمات طويلة، وأن علاج هذا الخلل سيتطلب زمنا طويلا. وإن لم يبدأ العمل بتبني سياسات لإصلاح ذلك الخلل فستستمر المدن الكبرى بالمملكة، ومنها مدينة الرياض، في استقطاب السكان من المناطق الريفية والمدن الصغيرة، وسيزداد حجم هذه المدن لدرجة يصعب معه إدارتها وستزداد تكلفة توفير المرافق والخدمات وصيانتها إضافة إلى المشكلات البيئية.
وبالأخذ في الاعتبار هذه الأهداف والأوضاع الراهنة المتمثلة في التوزيع الحالي للسكان والتجهيزات الأساسية والفوارق القائمة بين المناطق من حيث الموارد والإمكانات ومستويات ومعوقات النمو تم طرح تصورين بديلين للتنمية العمرانية الشاملة بالمملكة. استند التصور الأول على أن تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والمرافق وتعزيز فرص النمو الاقتصادي سيتطلب تركيز التنمية العمرانية مستقبلا بعدد محدود من المراكز الحضرية الرئيسية، وهي: الرياض، جدة، مكة المكرمة، وحاضرة الدمام، والطائف والتجمعات السكانية المجاورة لهما لما لهذه التجمعات من مزايا نسبية. أما التصور الثاني فقد خلص إلى أن تحقيق المزيد من التنمية المتوازنة على الحيز المكاني الوطني سيتطلب نشر التنمية العمرانية مستقبلا بمناطق بعيدة عن المراكز الحضرية الرئيسية وخاصة بالمناطق الشمالية والجنوبية الغربية بالمملكة.
وتبين من الدراسات التحليلية أيضا أن أيا من التصورين ليس بمقدوره منفردا تحقيق الأهداف الوطنية مجتمعة والمتمثلة في الكفاءة في استخدام الموارد والمرافق الموجودة وتحقيق التنمية المتوازنة. وبالتالي كان لابد من التفكير في أسلوب عملي للمواءمة بين كلا التصورين بحيث يتحقق على المدى الطويل الاستغلال الأمثل للموارد والمرافق من ناحية والتنمية المتوازنة من ناحية أخرى. وتبين أن ذلك يمكن تحقيقه من خلال تعزيز الترابط الوظيفي والإنتاجي بين مختلف أجزاء الحيز الوطني والانتشار التدريجي للتنمية من مراكز الاستقطاب الحضرية الحالية إلى المناطـق الأقـل نمـوا عـن طريق تدعيم مراكز للنمو (حضرية وريفية) يتم اختيارها ضمن محاور للتنمية العمرانية Development Corridors تغطي  الحيز المكاني للمملكة ككل.