المفهوم الإقليمي والجغرافيا الإقليمية.. مساحة من الأرض يتم تحديدها وفقا لمعايير قياسية أظهرت تجانسها وتمتلك خاصية التجاذب والالتئام



المفهوم الإقليمي من اهم اهتمامات الجغرافيين ولكن هذا لا يقتصر على الجغرافيين وحدهم وانما يشاركهم في ذلك الحكام الاداريون والاقتصاديون وقد استعملت كلمة الاقليم في العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية على السواء بدون ان تكون هنالك احكام لاستعمال هذه الكلمة بما يدل على معناها جغرافيا فالكلمة مشتقه من المعرفة الخاصة عبر المناطق الجغرافية وتباينها وتوزيعها على سطح الارض وقد عزى الجغرافيون ظهور الاقليم الى تلك الاختلافات المكانية ومع هذا فقد لا يكون هنالك مكانان متشابهان على وجهه الارض كما لا يفترض بالضرورة تكامل هذين المكانين اما تباين الامكنة فأنهاتؤكد شخصيتها وتدعو خصائصها الى دراستها من جهة علاقاتها الاقليمية.

فمفهوم الإقليم هو أية مساحة من الأرض يتم تحديدها وفقا لمعايير قياسية أظهرت تجانسها كما أنها تمتلك خاصية التجاذب والالتئام التي جاءت من العلاقات المتطابقة ومن الظواهر المرتبطة مع بعضها البعض وبهذا يختلف الاقليم عن المنطقة التي تشير الى الجزء من الارض ولكن بدون ان يكون فيها ما يشير الى التجانس بين أجزائها.

وقد تأثر الجغرافيون الامريكان بما كتبة الجغرافي الفرنسي بول فيدال دي لابلاش وبما كتبه هنتر من المانيا وبما اظهره برتسون من بريطانية عن الدراسات الاقليمية بعد سنة 1930 كما قام بومان بوضع تقسيم للاقليم واسس لتصنيفه والعلاقات ما بين الظواهر الطبيعية والبشرية الموجودة في الاقليم كما اظهر انتقاداته للدراسات الاقليمية الوصفية ولذلك بقيت المناقشات حادة بين الجغرافيين الاقليميين ولم تنته حتى ظهور مقالات هارتشورن عن طبيعة الجغرافية.

لقد ظهرت دراسات ولكن دون أن يكون للجغرافي دخل فيها منها ما يتعلق بالتخطيط الاقليمي ومنها ما يتعلق بالوحدات الادارية التي عرفت ب regional planning ومنها ما يتعلق بالوحدات الادارية التي عرفت ب setionalism او السياسية وكان هذا بمثابة اعتداء على  اختصاص الجغرافي الاقليمي مما اضطر اخيرا الى تحديد اختصاصاته في معالجة الاقليم عنهم واعتبروا عمل الجغرافية كعمل المخطط الاقتصادي من هذه الناحية.

كما اختلطت الدراسات الأيكولوجية مع الدراسات الاقليمية أيضا وكان اكثرها اضطرابا هو القسم الخاص بالأيكولوجية البشرية ولذلك قال الاستاذ barrowˌhˌh عن الجغرافية بانها أيكولوجية بشرية.

والحقيقة ان الجغرافية الاقليمية تهتم بالفضاء او الحيز بينما علم البيئة يهتم بالتفاعل ما بين الانسان والمجتمع وما بين الانسان والمكان.
وفي الحقيقة نجد الثنائية تبرز في الجغرافية الاقليمية بدرجة واضحة لأنها تهتم بالظواهر الطبيعية بقدر ما تهتم بالظواهر البشرية ولكن الجغرافيين حاليا يميلون حاليا الى تحاشي هذه الثنائية لأنها تحمل بذور الخطأوقد يكون من اهتماها بالظواهر الثلاث الطبيعية والحياتية واجتماعية.

لقد اختلف الجغرافيون حول الدراسة الاقليمية وكان الهدف متشابها لدى الجميع يتضمن الوصول الى شمولية كاملة  لدراسة حيز من الارض ويمكن تمييز طريقتين الارض وتهتم باختبار المناطق بمقدار  ما يظهر بينها من التجانس والارتباطات الداخلية والعلاقات المتشابهة الخارجية التي تربطها مع الاقاليم الاخرى اما الطريقة الثانية  فتهتم على وجهه الخصوص بالعلاقات ما بين العمليات والظاهرات واكتشاف مقدار ما يطرا على العمليات من تحويرات في اماكن معينة وتسمى الطريقة الاولى بالطريقة الاقليمية بينما تسمى الثانية بالطريقة الموضوعية ولم يؤكد الجغرافيون على طريقة واحده منهما وانما اعتبروا الطريقتين مهمتين لتطوير الدراسة الاقليمية ومع هذا يظهر السؤال الاتي عند دراسة الاقليم وهو ماهي الاعتبارات الجغرافية التي يجد اخذها بنظر الاعتبار عند الدراسة الاقليمية؟ ويمكن اجمال واختصار تلك الاعتبارات بما يأتي:

1- اختيار المعيارCRETERIA عند دراسة الاقليم العلاقات المكانية التي ينتج عنها شكلا من  اشكال الالتئام بين اجزائها عند تطبيق المعيار الخاص وتظهر تجانسها بمقدار المعيار الذي يطلق عليها فاذا اظهرت التوافق وتطابق العلاقة يظهر التجانس ويبرز الاقليم فمثلا مقدار انحدار الارض واكتشاف هذا المعيار من خلال الخرائط الكنتورية وبيان كيفية استثمار الارض ومقدار تأثير التعرية الناشئة عن الانحدار.

2- التصنيف والمقولات CATOGRIES وتقوم الطريقة الاقليمية باستعمال التصنيف و بجمع المعلومات وفقا للمعايير الخاصة فيظهر التجانس فيما بينها ويبرز الاقليم بشكل واضح.

3- دراسة الخصائص وذلك عند استخدام معايير تخص حقائق من المنطقة تلك الحقائق التي يمكن الحصول عليها للملاحظة والاستقصاء وبعدها تتجه الدراسة نحو اكتشاف ظواهر موجودة ثم تأتي العمليات والنتائج ثم بعدها يخرج نحو التعميم بعد بيان الارتباطات القائمة بينها لغرض القاء الضوء على الصفات الاقليمية وابعاد التفصيلات المربكة عن الدراسة الاقليمية وعند اختبار المعايير لاكتشاف خصائص الاقليم لابد أيضا من اختيار المناطق المتباينة بما يعاكسها من المعايير التي تعتبر كذلك اخرى مميزة للإقليم مثال ذلك وحدة الاقليم وارتباط ابعاده وظواهره الموحدة به  واثارة التاريخية وتصنيفه حسب المقولة التي يعود اليها ورتبته وبيان مكانته في تسلسل ترتيبي (هيراركي) اما الرتب التي يتم بموجبها تصنيف الاقليم طبقيا فهي المحلية  LOCALITYمثل قرية ريفية ومنطقه سكنية في مدينه ومنها المنطقة DISTICTوميزتها البارزة في وحدتها الطبيعية حيث يظهر من صفات مترابطة لها التئام وظيفي متقارب اما الوحدة الادارية حيث تجمع المناطق ضمن حدودها الخاصة وتمثل رتبة اعلى مثل المحافظة ومثل حوض باريس اما الاقليم الكبير فيمثل اقاليم متعددة من رتبة ولمنطقة واحده تمتلك تشابه كبير مع روابط وعلاقات متبادلة تجعل منها وحده واحدة مثل اقليم غرب اوربا او اقليم البحر المتوسط.

ان استعمال المعايير ومعها الارقام لتحديد الاقليم قد اعطى لعلم الجغرافية الاقليمية ميزة تطبيقية مهمه وجميع هذه الاشياء قد اعطت أيضا في الحياة الواقعية قرارات تتخذ في الوقت الحاضر انماطا من التنمية الاقليمية  بقرينة مكانية خصوصا في الاقتصادية وقد اتخذت الدول الغربية والولايات المتحدة والدول الاخرى المخططة مركزيا من اقاليمها وما تمتاز به من خصائص واسطة لأجراء وتنفيذ مشاريع الخدمات ووضعها في الطريق الصحيح بعد ان كان الاقليم ودراساته لاتبتعد عن الجانب النظري والعقلي وهكذا نجد رجال الدولة المسؤولين قد اتخذوا من الاقليم واسطة لإجراء وتنفيذ الاعمال التنموية وتطبيق عدالة التوزيع المكاني للمشاريع الاقتصادية العامة وخدمة البيئة المحلية.

وقد ينظر الى الاقليم من الوجهة الجغرافية بوجود خصائص متعددة ومتجانسة وان توزيع تلك الخصائص لدليل يشير الى وجود هذا التجانس ويطلق على هذا الاقليم الكبير اسم compage ويتضمن منطقة واسعة فيها مجموعة من الخصائص المميزة من النواحي المناخية والتضاريسية والنباتية بالاضافة الى الناحية البشرية والاقتصادية وابرز مثل على ذلك دلتا الميكونك وفيتنام.

وهنالك نوعان من الاقاليم المعروفة لدى المختصين من الجغرافيين وهما الاقليم المستقطب او الاقليم الوظيفي والاقليم التنموي ففي الاقليم الوظيفي لا يعني التجانس فيه يمثل اشياء وصفية لخصائص بنيوية جغرافية ولكن يرجع التجانس الى العلاقات المتشابهة او الوظائف التي تظهر بين الاجزاء التي تتكون منها المنطقة التجارية في مدينة ما حيث يؤلف مركزها قلب الاقليم وكلما ابتعدنا عن هذا القلب تبدا وضيفتها التجارية بالهبوط وخاصة عند حواشي وهوامش المدينة حيث تظهر مناطق الانتقال وتمثل بنقاط تختفي فيها العلاقات الوظيفية او تتضاءل وربما يحل مكانها مركز اخر يقوم بنفس الوظيفة.

اما في حالة الاقليم التنموي فان هذا الاقليم قد اتخذ منه مكانا جغرافيا تنفذ عليه خطط تنموية ذات اهداف معينة واحسن مثل على ذلك الوحدات الادارية او الاقاليم المخططة فاقليم وادي التنسي في الولايات المتحدة اتخذ منه في سنة 1930 مكانا جغرافيا ساعد على تنمية الولايات المجاورة له وقد انتفعت بيئاتها منه وساعد سكانها على رفع مستوى معيشتهم ويمكن ان يقال الشيء نفسه عن الاقاليم التنموية في الاتحاد السوفيتي التي لها علاقة مع خطط التنمية الخمسية التي طبقها وكذلك ينطبق الحال على خطط بعض الدول النامية او المتطورة.

وقد حددت هذه الاقاليم التنموية بمعايير مختلفة وبهذا فان الاقاليم المخططة بأسس متشابهة تكون ايضا متجانسة وقد تقوم بعض الحكومات المحلية وهيئات البلدية في المناطق الحضرية بتحديد اقاليم مدنها وتستقر على اسس وقواعد متشابهة في استعمالات الارض ضمن المدينة فقد تتخذ المدن مكانا وظيفيا فتصبح بالنتيجة مناطق حضرية مثل الضواحي والتوابع التي تخدمها المدينة ضمن اقليمها.

ان استخدام الطرق العلمية الحديثة وانتفاع الجغرافية منها وحل مشاكل المناطق بواسطتها قد لطف كثيرا من الآراء السابقة عن الاقليم فمعظم الجغرافيين اعتبروا الاقليم واسطة للتصنيف المكاني حيث يتم منه اكتشاف مدى التشابه والتباين بين المناطق الجغرافية وقد كانت الآراء والاعتبارات التي اتخذت واسطة لتصنيف المناطق ثابته ومتشابهة في معظم الاحوال فبعض الجغرافيين ممن اهتموا بالأقاليم الطبيعية يعتقدون ان تصنيف الارض الى اقاليم طبيعية يخدم اغراضا متعددة وبهذا عدوا اعمالهم هذه جزء  من وضيفتهم الجغرافية الحقيقية بينما نجد البعض الاخر يعتقد ان التصنيف للأقاليم الطبيعية يؤدي الى ظهور معارف وانظمة جديدة.

الا ان مثل هذا الاتجاه يجب ان يصحح ولسببين: الاول وهو مهم جدا ان نسبة عالية من الجغرافيين يعتقدون بأهمية التصانيف الاقليمية ويقبلها ولكن من الجهة الثانية سنجد حالات خاصة هي جزء من المقياس للإقليم ولكنها ظاهرة اكثر من غيرها ولهذا لابد من النظر الى هذه الظاهرة من خلال حجم التباين ما بين المناطق واعطاء فكرة محدودة ودقيقة لحل المشاكل التي تظهر عند دراسة الاقليم اما السبب الاخر فيظهر اختلافات بين افكار الجغرافيين كاختلاف عقائدي ما بين الجغرافيين من جهة والجغرافيين من الدول الشرقية من جهة اخرى.

فالجغرافيون من الاتحاد السوفيتي وغيرهم من مجموعة الدول الاشتراكية الشرقية يعتقدون بان الاقليم الطبيعي يتخذ للأغراض الاقتصادية حيث التباين المكاني احسن واسطة للإيجاد اقاليم متكاملة ويعمل التكامل على خدمة البيئة والمجتمع وبناء للاشتراكية وغالبا ما تكون هذه الاقاليم معزولة لكنها تحول الى اقاليم مبرمجة ومع هذا فان الاختلافات حول تحديد نوع الاقليم ومفهومه لا تقوم عليه نتائج اساسية وقد اتخذت طرق كمية لتحديد الاقليم وهذا ما يسير عليه جغرافيو الاقليم في بولندة وقد انتشرت الفكرة في الولايات المتحدة وبواسطة الاستاذ jˌlͺberry وذلك خلال الستينات من القرن الحالي وهكذا بدأت الآراء وتستفيد من بعضها ويؤثر بعضها في البعض الاخر.

ان الدراسات السابقة التي اختصت بالإقليم و الآراء التي ظهرت عنها كانت سببا لظهور الجغرافية الاقليمية في الوقت الحالي وبالرغم من ان علم الاقليم بدا هو الاخر يهتم بالجغرافية النظرية العلمية للدراسات البشرية الخاصة بالإقليم الا ان محور الجغرافية الاقليمية اصبح ذا محتوى كبير لأنه يمثل جميع الخصائص الموقعية المعروفة حول اية منطقة وعندما نحاول ان نكتشف مدى التجانس الذي يربط منطقة معينه او اقاليم مستقطبة بالطريقة التي تم شرحها سابقا فان جوانب كبيرة ومتعددة من المعرفة مطلوب الالمام بها.

وهنا تظهر الصعوبة بالنسبة للجغرافي لان عليه ان يجمع معلومات ومعارف متعددة ومن ثم يحدد خصائصها وقليل منها يكون ملتئما ومتكاملا مع بعضه البعض ومثال ذلك المعلومات الخاصة بالجانب البشري حيث تتغير بسرعة وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليها الا لفترة محدودة بينما الحاجة اليها يجب ان تكون جديدة وعليه فان من الصعوبة على الجغرافي ان يضع تعميماته وبشكل ثابت لان المعلومات الاقليمية البشرية متغيرة بينما يكون ذلك ممكنا من الجوانب الطبيعية.

كما ان المعلومات التي تجمع عن الاقليم تكون واسعة وكبيرة مما تظهر الصعوبة في الدراسة وكذلك لايمكن ان تكون القواعد والتعميمات التي تصدر عن دراسة الجغرافيين لمنطقة معينه واحدة متجانسة وابرز الدراسات الاقليمية ظهرت من الجغرافيين الفرنسيين وذلك بين 1927- 1948 وهذه من توجيهات فيدال دي بلاش مؤسس المدرسة الفرنسية الحديثة وقد اخذ بها معظم الجغرافيين في فرنسا مثل البرت ديما نكون الذي عد التماثل والتكامل ما بين الخصائص الطبيعية والبشرية هي الاساس للجغرافية الاقليمية ومع هذا فان معظم الجغرافيون يعدون  هذا النمط من الجغرافية كلاسيكيا.

ومع هذا فان معظم الجغرافيون يعدون الجغرافية الاقليمية هي قلب المعرفة الجغرافية ولكن هذا الاتجاه ظل عند البعض من الجغرافيين لان دراسة الاقليم تعتمد على موضوعية لها جوانب تطبيقية بارزة.

وبالرغم من الصعوبات التي تعتري الدراسة الاقليمية خصوصا بعد ظهور اختلافات وجهات النظر بين الجغرافيين حول استخدام الحقائق البارزة والاتجاه نحو احدى الصفات للدخول الى دراسة الاقليم الا ان معرفة خصائص المنطقة يمكن الدخول اليها لوضع برامج تنموية لتطوير المنطقة اقتصاديا واجتماعيا واحسن مثل على ذلك دراسة اقاليم التحضر والاقاليم الريفية المدن الكبرى وجميعها تتطلب حلولا لمشاكل التباين المكاني وعدم تكافئ الاقاليم.