الإجهاض لضرورة شرعية.. ما قبل نفخ الروح أو مابعده. إذا ثبت ثبوتا محققا وفاة الأم إن لم نجهض هذا الجنين جاز الإجهاض



الإجهاض لضرورة شرعية:
بأن يكون بقاء الجنين يسبب خطرا على حياة الأم، كأن تكون الأم مريضة بمرض من الأمراض، وبقاء هذا الجنين يسبب خطرا على حياتها بتزايد هذا المرض، مثل أن تكون مريضة بمرض القلب أو الكلى أو تكون مصابة بأمراض خبيثة كسرطان الثدي وسرطان عنق الرحم أو أمراض الدم..إلخ، المهم أن بقاء الجنين يكون خطرا على سلامة الأم.
فهل يجوز إجهاض الجنين في مثل هذه الحال من أجل سلامة الأم أو أن هذا غير جائز؟
هذا القسم فيه حالتان:

الحال الأولى: ما قبل نفخ الروح:
الفقهاء المعاصرون ذهبوا إلى جواز إجهاض الجنين إذا كان في إجهاضه سلامة للأم وبقاؤه يكون خطرا على حياتها، ومن ذلك فتوى اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية عام 1416هـ فقد جاء فيها «ولا يجوز إسقاط الحمل - أي قبل نفخ الروح- حتى تقرر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه بعد استنفاذ كافة الوسائل لتلافي الأخطار».
وقد أشار الفقهاء المتقدمون إلى شيء من ذلك فقد أشار إلى ذلك بعض الشافعية لأن الشافعية يتوسعون في الإجهاض.

التعليل:
استدلوا على ذلك بأن الضرر الأشد يزال بالأخف.
وقالوا: بأنه يرتكب أهون الشرين، فإجهاض الجنين فيه ضرر، وموت الأم فيه ضرر فيرتكب أخف الضررين؛ فإجهاض الجنين أهون من هلاك الأم.
فالأصل في الإجهاض - تقدم - أنه حرام لكن لهذه القاعدة، وقاعدة: الضرورات تبيح المحظورات أجاز الفقهاء المتأخرون هذا، واشترطوا له شروطا:
1- أن يوجد مرض حقيقي يعرض حياة الأم للخطر.
2- أن يتعذر علاج هذا المرض إلا بالإجهاض.
3- أن يقرر من يوثق بقوله من الأطباء أن الإجهاض هو السبيل الوحيد لاستنقاذ الأم.
فإن توفرت هذه الشروط توجه القول بجواز إجهاض هذا الجنين.
ولا بد من تحقق هذه الشروط لأن الأطباء في الوقت الحاضر يقررون بأنه لا يكاد يوجد مرض واحد يوجب الإجهاض فأمراض الأم يمكن أن تعالج بغير الإجهاض وذلك بسبب تقدم الطب.
ولهذا ذكر الدكتور محمد البار أنه لا يوجد إلا مرض واحد الذي قد يسبب عدم الإجهاض فيه خطرا على حياة الأم وهو تسمم الحمل، أما ما عدا ذلك من الأمراض فلا حاجة فيها إلى الإجهاض لأنه بسبب تقدم الطب ممكن أن تعالج مثل هذه الأمراض.
وبهذا تعرف أن تهاون بعض الأطباء وقولهم: إن الأم مريضة وأن هذا الحمل يكون خطرا عليها فلا بد من إجهاضه أن هذا الكلام فيه نظر.
فالأصل هو تحريم الإجهاض إلا إذا توفرت هذه الشروط الشرعية مع الاحتياط والحذر.

الحال الثانية: ما بعد نفخ الروح:
يعني للجنين أربعة أشهر وزيادة وبقاء هذا الجنين يسبب خطرا على أمه فإما أن نجهض الجنين ونقتله وتسلم الأم وإما أن نبقي الجنين فتموت الأم.

حكمه:

القول الأول:
العلماء في السابق يكادون يجمعون على تحريم الإجهاض حتى لو أدى ذلك إلى وفاة الأم،
وممن ذهب إليه في الوقت الحاضر الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله وأنه لا يجوز قتل هذا الجنين.

أدلتهم:
منها: قالوا: إنه مما لا خلاف فيه بين العلماء أنه لا يجوز لشخص أن يقتل شخصا ولو أكره على القتل حتى ولو أدى ذلك إلى إزهاق نفسه يعني: لو أن شخصا أكره شخصا على أن يقتل زيدا من الناس أو يُقتل هو، قالوا: لا يجوز له أن يقدم على قتله ولو أدى ذلك إلى قتل هذا المكره.
فمثله أيضا المرأة فلا يجوز أن نقتل هذا الجنين لاستبقاء نفس الأم.
ومنها: قالوا: الإجماع منعقد على أن الإنسان إذا كان مضطرا وكان في مخمصة فإنه لا يجوز له أن يقتل نفسا معصومة من أجل أن يأكلها ويستبقي نفسه. فكذلك هنا لا يجوز أن نقتل هذا الجنين لكي نستبقي نفس الأم.
ومنها: ما ذكر ابن نجيم قال: إحياء نفس بنفس هذا لم يرد في الأدلة بالاستقراء استقراء الشريعة.

القول الثاني:
ما ذهب إليه أكثر العلماء المعاصرين قالوا: إذا ثبت ثبوتا محققا وفاة الأم إن لم نجهض هذا الجنين جاز الإجهاض.
أدلتهم:
منها: قالوا: الجنين لا يسلم غالبا فإذا هلكت الأم هلك الجنين، فإما أن نجهض الجنين فتسلم الأم وإلا فإن الجنين الغالب لا يسلم لأنه إذا هلكت الأم هلك الجنين معها لأنه كجزء من أجزائها.
وأجيب: بأن هذا القول فيه نظر فإن العلماء إذا كانوا في السابق يتكلمون عما إذا ماتت المرأة وأنه يمكن السطو على بطنها وشقه واستنقاذ الجنين فما بالك اليوم فيما يتعلق بتقدم الطب، فإنه بالإمكان أن يشق بطن الأم ويخرج الجنين حتى وإن لم يكتمل له ستة أشهر فبالإمكان أن يرعى هذا الجنين حتى ينمو.
ومنها: قالوا: الجنين تابع لأمه وجزء من أجزائها وباتفاق العلماء أنه يجوز أن يقطع جزء من أجزاء الإنسان لكي يسلم باقيه، فمثلا لو كان في الإنسان يد متآكلة أو رجل متآكلة ولا يسلم إلا بقطع هذا الجزء المتآكل فإننا نقطع هذا الجزء المتآكل لكي يسلم باقيه، فمثله أيضا الجنين قالوا: هو كالجزء المتآكل نقطعه لكي تسلم الأم.
وأجيب: بأن هذا قياس مع الفارق فكل منهما نفس معصومة مستقلة.
ومنها: استدلالهم بالقواعد مثل قاعدة: المشقة تجلب التيسير. ويرتكب أهون الشرين ونحوها.