تعد الحماسة من أهم الأغراض الشعرية، وأكثرها دورانا في القصيدة الجاهلية، لارتباطه الوثيق بالمعارك والحروب.
أما الحماسة لغة فهي القوة والشدة، وقوم حُمْس: متشددون في الدين. والحماسة تعني الشجاعة، والتغني بالقوة والبطولة، لذا غلبت الحماسة على شعر الجاهليين، حتى سمى أبو تمام كتابه "الحماسة"، نسبة إلى الباب الأول في الكتاب، وهو باب الحماسة، وهو أضخم الأبواب.
ويعد هذا الباب من أهم الأبواب، لأنه يمثل خط الهجوم الأول، فكان شعراء القبائل يرهبون بهذا الشعر خصومهم، ويضعفون معنوياتهم.
وتعد قصيدة مالك بن زرعة الباهلي نشيدا من أناشيد الحرب والبطولة والفروسية، تحدث فيها عن غزوة شنها وقومه بذات العراقي، حين سارت كتيبة ضخمة كثيفة كثر فيها الحديد، فغدت شهباء تبرق فيها الأسنة والسيوف، لو ناطحت الجبال لدكتها، وزلزلتها.
وتصايح القوم واستنصروا، فقد دعوا بني كعب، واستنجدوا بمذحج، فلما رأوا أن كعبا قلبت لهم ظهر المجنّ، وعرفوا ميلها نحو عدوهم، استنصروا قومهم بني آبائهم كعب بن مالك، فأجابوهم، وجاء المناصرون من كل حي، وتهيأوا للقتال، وخاضوا حربا موجعة، ذاق الفريقان منها ضربا موجعا بكل رمح رديني أصم حاد، وبالسيوف التي لا تفل، يزيلون الرؤوس ويقطعون الأعناق، ويطعنون أعداءهم طعنات يندفع منها الدمع غزيرا متدفقا كما يندفع البول من الإبل الحوامل.
ويلتفت إلى الخيل ليرسم لها صورة تدل على تعبها، قد اغبرت نواصيها، وأخذ الفرسان يزجرونها لتتقدم، ولكنها كانت تحمحم من ألم الرماح المستقرة في نحورها، وإذا فاتهم طعن الرماح فإن رشقات السهام التي تأتيهم متطايرة كالجراد من كل جانب لا بد أن تصيبهم، وأسفرت المعركة بعد حين عن جثث منتشرة في ارض المعركة، وقد شبعت النسور من جثث القتلى، قتلى الأعداء.
أما الشاعر وقومه فقد عادوا بالغنائم ومن خير ما غنموا تلك السبايا من نساء القوم، فأنهن المها حسنا، وقد صرن زوجات لهم، بحد السيف، وما مهورهن إلا (صدور القنا والمشرفي مهورها).
فدع ذا ولكن هل أتاها مغارنا
بذات العراقي إذ أتاها نذيرها
بملمومة شهباء لو نطحوا بها
عماية أو دمخا لزالت صخورها
يخضْن بني كعب ويدعون مذحجا
لتنصرنا كعب وكعب شطورها
ولما رأينا أن كعبا عدوّنا
وأبدى دفين الداء منها ضميرها
دعونا أبانا حي كعب بن مالك
وقد آلت الدعوى إليها كبيرها
فثارت إليهم من قتيبة عصبة
ومن وائل في الحرب يحمي نفيرها
فدارت رحانا ساعة ورحاهم
نثلم من أركانها ونديرها
بكل رديني أصم مذرب
وبالمشرفيات البطيء خُسورها
بضرب يزيل الهام عن مستقره
وطعن كايزاغ المخاض يثورها
وشعث نواصيهن يزجرن مقدما
يحمحم في صم العوالي ذكورها
إذا انتسأوا فوت العوالي أتتهم
عوائر نبل كالجراد تطيرها
فما إن تركنا بين قو وضارج
ولا صاحة إلا شباعا نسورها
وجئنا بأمثال المها من نسائهم
صدور القنا والمشرفي مهورها
التسميات
أغراض الشعر الجاهلي
