الدروس خارج الإطار القانوني.. ترسيخ خوصصة الخدمات في مجال التعليم لإعداد مدارس التعليم العام للخوصصة

المعلمون الذين تمرسوا على الساعات المضافة صاروا لا يستطيعون الاستغناء عنها، لكونها صارت مصدر دخل مهم يحققون من ورائه تراكما ماليا كبيرا يساعدهم على التسلق الطبقي الذي يمكنهم من تحقيق التطلعات الطبقية للبورجوازية الصغرى، لأن المعلم الإعدادي أو الثانوي أو الجامعي الذي يقدم دروسا خارج الإطار القانوني، وبغض طرف المسؤولين، وبسبب عدم التصريح بذلك العمل، ونظرا لاستفادة أبناء المسؤولين من تلك الساعات المضافة، وبدون مقابل، فإن المعلمين يقلبون الكفة، فيصير مدخولهم من عملهم الرسمي ثانويا، وضئيلا بالمقارنة مع مدخولهم من عملهم غير الرسمي.

فالعمل الرسمي يصير عرقلة أمام العمل غير الرسمي الذي يوفر إمكانيات ضخمة في مجتمع، كالمغرب الذي يصير فيه كل شيء نخبويا، وتصير التطلعات الطبقية للمعلمين، باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من شرائح البورجوازية الصغرى، هي الهاجس الذي يحكم ممارسة المعلم الذي يتحول إلى مجرد لاهث وراء الراغبين في تلقين أبنائهم حصصا إضافية، لأنه بقدر ما يزداد عدد الساعات المضافة، بقدر ما يرتفع الدخل، بقدر ما يحقق المعلم تطلعاته الطبقية البورجوازية الصغرى من اجل القيام بحماية المستقبل، الذي لم يعد محميا، نظرا لتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي، الذي يستهدف مجموع أفراد المجتمع.

و بما أن النظام الذي يخضع له المغرب، هو النظام الرأسمالي، فإن هذا النظام يقتضي استغلال كل الفرص الممكنة لجعل الجماهير تشتري جميع الخدمات الاجتماعية التي لم تعد خدمات اجتماعية مجانية. كما تشتري المواد الغذائية التي تستهلكها يوميا.

و فرصة تقديم الحصص الدراسية المضافة، ولو في البيوت هي أكبر ممارسة لإثبات أن التعليم المجاني لم يعد منتجا، وأن أداء مقابل الحصص المضافة هو الذي يمكن أبناء الأسر الميسورة من التفوق على بقية التلاميذ، واحتلال الصفوف الأولى في النتائج الدراسية التي تمكنهم من الالتحاق بالمدارس العليا في جميع أنحاء العالم.

وهو ما يجعل الآباء يفضلون التعليم الخاص المؤدى عنه، الذي صار مثالا للتعليم الجيد، حتى في نظر المعلمين الذين يدخلون أبناءهم إلى مدارس التعليم الابتدائي الخاص، لاقتناعهم بأن التعليم العام الذي يعملون فيه لم يعد مجديا، و لم يعد منتجا، و لا يلبي التطلعات الطبقية التي يسعى المعلمون إلى تحقيقها.

و لذلك فالمعلم يلعب دورا كبيرا –بممارسته المنحرفة، في ترسيخ خوصصة الخدمات في مجال التعليم، كما فعل الممرضون المرتشون في ترسيخ القبول بخوصصة الخدمات الصحية ،لإعداد مدارس التعليم العام للخوصصة، كما عمل الممرضون على إعداد المستشفيات المغربية بالارتشاء للخوصصة، تنفيذا لسياسة الدولة المبنية على أجرأة تعليمات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، والشركات العابرة للقارات. الأمر الذي يؤدي مستقبلا إلى إعلان إفلاس المؤسسة التعليمية الرسمية، لتباع بدرهم رمزي إلى المعلمين في مختلف المستويات التعليمية، الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، لتتحول إلى مدارس خاصة، تدر على مالكيها الجدد مئات الملايين من الأرباح، على حساب إفقار الشعب المغربي الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد من خوصصة الخدمات التي تجعل المعلمين من كبار البورجوازيين المغاربة.

فخوصصة المدرسة المغربية، سيكون بداية إفلاس قطاع التعليم في المغرب، و سيكون ذلك الإفلاس شروعا في عملية ممارسة التجهيل على المجتمع المغربي، الذي يصير أبناؤه محرومين من الحق في التعليم الجيد، الذي يصير محتكرا على المدارس الخاصة التي تدرس برامج دراسية مخالفة للبرامج الرسمية، كما هو الشأن بالنسبة لمدارس التعليم الأولى الخاص، و مدارس التعليم الابتدائي الخاص. فكأنت تلك المدارس هي مدارس فرنسية، أو أمريكية، و كأنها لا تخضع للمراقبة الرسمية.

والهدف الأساسي من كل ذلك هو ترسيخ أهمية الخوصصة في مختلف مجالات الخدمات العامة، مقابل ما يتلقاه المعلمون من أموال إضافية هائلة من الآباء تتحقق معها تطلعاتهم الطبقية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال