إن الزائر لمدينة صيدا الحالية يعتقد لأول وهلة مبنية بشكل فوضوي أو كيفا اتفق الحال وإن المرء يضل في أزقتها الملتوية المظلمة. ولكن نظرة واحدة إلى خارطة صيدا ترينا أن هذه الأخيرة مدينة لها طرازها القديم ولها هندستها الخاصة. فمعظم شوارعها "إذ صح أن نسميها شوارع ممتدة من الجنوب إلى الشمال بحيث تؤدي كلها إلى مرفأ وهذه الشوارع الطولية تخترقها شوارع عرضية من الشرق إلى الغرب وتؤلف عها "مصلبيات" أو ساحات إلا أن هذه الشوارع أو الطرقات تغطيها الأبنية المرصوصة جنباً إلى جنب فتأخذ منظراً معتماً خاصاً.
كانت صيدا في القرن السادس عشر مدينة متأخرة جداً فيها كثير من الخراب، ولكن الأمير فخر الدين المعني الكبير أعاد لها بعض عظمتها السابقة وذلك من سنة 1595-1634 فصيدا الحالية بني قسم منها على يد هذا الأمير العظيم.
إذ نجد قصراً "معنياً" كان القسم العلوي منه مركزاً لمدرسة عائشة أم المؤمنين إلى جانبه حمامه "حمام الجديد" ويأتي هذا في المرتبة الثانية بعد حمام قصر بيت الدين من حيث الجمال والهندسة وقد سكن هذا القصر أسعد باشا العظم والي صيدا 1143هـ. وكان معاصراً للأمير ملحم الشهابي.
وقبل أن تنتقل إلى داخل البلد الجامع البراني الذي يقع قبالة قشلة الدرك وهو من بناء المعنيين والظاهر أنه أول بناء بني خارج صيد لذلك لقب بهذا الاسم. وبه دفن الأمير ملحم المعني في غرفة خاصة يعلوها قبة وقد كتب على ضريحه ما يلي "بسم الله تعالى الرحمن الرحيم هذه روضة المرحوم الأمير ملحم بن معن توفي إلى رحمة الله تعال في أواسط شهر ذي الحجة سنة ثمانية وستين وألف".
بعد هذا ننقل إلى باب السرايا قلب صيدا ومركزها الخامس على زمن فخر الدين وما بعده. نجد هناك ساحة كبيرة وقد دعيت هذه الساحة بساحة باب السراي نسبة إلى سراي الأمير فخر الدين القائمة إلى جنوبها بناها فخر الدين وجعلها مركزاً حكوميالً ولا يزال هذا البناء هذا البناء قائماً حتى يومنا هذا وفي عهد إبراهيم باشا المصري سكن هذا السراي الكولونيل سليمان باشا الفرنساوي ورممه. وإلى شرق الساحة نجد جامع السراي سمي بهذا الاسم لقربه من السراي القديمة.
وفي الجهة الغربية كان يقع على الأرجح قصر الأمير فخر الدين الخاص وبقربه حمامه الذي لا يزال قائماً ويسمى حمام المير. وإلى شمال الساحة يقع خان الإفرنج وهو بناء ضخم يحتل مساحة كبيرة له بابان رئيسيان مصفحان بالحديد شمالي يطل على المرفأ وجنوبي يطل على ساحة السراي. هذا الخان بناه فخر الدين ووهبه للتجار الفرنسيين في صيدا وهو أجمل الجانات التي بناها فخر الدين في إمارته.
وكلمة خان تعني في ذلك الوقت فندق أو محل سكن ومستودع للبضائع وخان بالمعنى الحقيقي للكلمة. وخان الإفرنج مربع الشكل تحيط به أروقة من الجهات الأربع في وسطه ساحة كبيرة مكشوفة فيها بركة ماء وبعض الأشجار. وهو ذو طابقين. الطابق السفلي كان بعضه مكاتب ومستودعات للبضائع وبعضه الآخر اسطبلات للخيل ونجد اليوم في قسمه الشرقي اسطبلا حقيقياً بكل تجهيزاته في وسطه بئر قديم مياهه صالحة للشرب والأرح أنه بئر ارتواي. أما الطابق العلوي منه فكان معداً للسكن. يصعد بواسطة درج داخلي إلى سطح البناء خيث نجد شرفات جميلة لها اطلالة رائعة على ميناء صيدا وقلعة البحر.
سكن هذا البناء يما مضى قناصل الدولة الفرنسية والآباء الفرنسيسكان الذين شيدوا كنيسة الناحية الشرقية ولا تزال هذه الكنيسة باقية حتى اليوم. وهي خاصة طائفة اللاتين في صيدا.
ومن الآثار المعنية أيضاً كنيسة اليسوعيين وهي فديمة جداً يظهر أنها من بناء الأمير فخر الدين المعني. تقع هذه المدية في دير اليسوعيين الذي تسلمه الأخوة المريميون حوالي سنة 1910. وهذا الدير يجري هدمه باشراف مديرية الآثار.
ويظن أنه كان يقوم في هذا المكان القصر الملكي الفارسي الذي يعرف بالفردوس والذي كان يقيم فيه ملك الفرس أو الملك الأعظم بضعة أشهر في السنة ويجلس عن يمينه ملك صيدون قائد الاسطول الفينيي وعن يساره ملك صور.
هذه أهم الأماكن الأثرية في مدينة صيدا وكلها ترجع إلى العهد المعني.
وأخيراً نذكر الجامع العمري الكبير. ويقع بالقرب من كلية المقاصد الاسلامية هو من الأماكن الأثرية الصليبية يقوم على ربوة عالية تشرف على البحر من جهة الغرب. وهو أكبر مسجد في صيدا بديع الطراز جميل الهندسة متسع الباحات كان كنيسة في القرن الثاث عشر لفرسان القديس يوحنا ثم حوّل بعد عهد الصليبين إلى جامع وإليك ما وصفه به السائح الفرنسي كيران عند زيارته لصيدا سنة 1852.
"والجامع الكبير كان كنيسة باسم يوحنا وقد أصلح منذ سنوات وهو مستند على ركائز قوية طولها ثلاثون مترا وعرضها عشرة متار ويدخل له من جهة الشمال برواق تزينه قبة وتعلوه منارة ويوجد داخل هذا الرواق بركة للوضوء تزينها أعمدة قديمة مغطاة رؤوسها بالكلس".
التسميات
صيدا