النموذج التكويني.. ربط بنية العمل الأدبي بالبنية الذهنية للفئة الاجتماعية للمؤلف

النموذج التكويني يمثّله منظّر علم الاجتماع، الروماني المولد، (لوسيان غولدمان) L.Goldmann الذي ربط (بنية العمل الأدبي) بـ(البنية الذهنية) للمجموعة البشرية التي يعيش المؤلف بين ظهرانيها، ذلك أن الفئة الاجتماعية المعنيّة تملك شكلاً من الإيديولوجيا يطلق عليها اسم (رؤية العالم) التي هي أسلوب تعبير هذه الفئة الاجتماعية.

وهكذا تمتلك مقاربة غولدمان كثيراً من الأرض المشتركة مع النظريات القديمة إلى الأدب كشكل من أشكال التعبير، ولكنه يختلف عنها في كونه يرى في العمل الأدبي تعبيراً ليس عن ذات المؤلف وإنما عن فئته الاجتماعيّة التي ينتمي إليها.

وقد أكدّ أن منشأ بنية العمل الذهنية يقع في السلوك الاجتماعي الذي رأى أنه ينبثق ليس من إرادة أفراد منفصلين، وإنما من إرادة مجموعة اجتماعية.

لكن الأمر لم يصل بغولدمان  إلى درجة إلغاء دور المؤلف تماماً، وإنما اعتبر أن الكاتب العظيم هو مَنْ يتقن صوغ البنية الذهنية لفئته الاجتماعية، وبذلك يشكل العمل الأدبي إنجازاً جمعياً من خلال وعي مبدعه الفردي. وهو إنجاز يكشف للفئة الاجتماعية المنحى الذي تسير فيه دون دراية منها.

في كتابه (الإله الخفي) 1955 يتحرّى (غولدمان) الصلات المتبادلة بين الفئة الاجتماعية و الحركة الدينية الجانسينية التي كان تأثيرها واضحاً  على باسكال في (خطراته) وراسين في (مسرحياته). فوجد فيها رؤية (مأساوية) يبدو فيها الإنسان ممزقاً بين التزامات متناقضة يمنعه العالم من التوفيق بينها: فالفئة الاجتماعية (نبلاء الرداء) في فرنسا القرن السابع عشر والمؤلفة من القضاة وكبار الموظفين،  ممزقة بين اعتمادها على الحكم الملكي المطلق، والجاذبية الفردية للبورجوازية. والحركة الجانسينية ممزقة بين السلطة المطلقة للإله الخفي، وعقلانية العالم. وقد احتلت هذه التناقضات موقعاً مركزياً في تفكير باسكال وراسين اللذين كانا جانسينيْين ومن نبلاء الرداء.

وقد عرض غولدمان هذه الالتزامات المتناقضة في زوايا المثلث: الله، والعالم، والإنسان، أو الفرد المأساوي، ففي مسرحية(فيدر) Phedre لراسين يمثّل الله بالإلهتين الوثنيتين: فينوس والشمس اللتين تقومان بدور ضمير فيدر الأخلاقي.

ويمثّل العالم بشخصيتي هيبوليت وتيزيه اللتين يعوزهما الوعي، ولا يملكان واقعاً ولا قيمة، وإنما يوفران الفرصة لفيدر الشخصية المأساوية، لتدرك خطأ حبها المحرّم، وليعيداها إلى الحقيقة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال