مفهوما التنمية والتنشئة الاجتماعية.. عملية تخلي المجتمعات المتخلفة على السمات التقليدية السائدة فيها والتبني للخصائص السائدة في المجتمعات المتقدمة

لقد نشأ مفهوم التنمية وترعرع في الغرب سواء عن طريق سوسيولوجيا الغرب أو عن طريق الهيآت الدولية، وهذه النشأة بطبيعة الحال لا تخلو من إيديولوجية، حيث جميع المصطلحات المستعملة ونوعية ميادين التنمية لها منحى خاص من ورائها أغراض إيديولوجية تحركها .ولقد ظهر مفهوم التنمية لأول مرة في بريطانيا مثلا سنة 1944 ، وذلك في تقرير اللجنة الاستشارية للتعليم ، و صدر أول تعريف منظم لتنمية المجتمع خلال مؤتمر " كامبردج" الصيفي حول الإدارة الإفريقية سنة 1948 . وقد عرفت التنمية بأنها " حركة تستهدف تحقيق حياة أحسن للمجتمع المحلي نفسه من خلال المشاركة الايجابية للأهالي ، وإذا أمكن من خلال مبادرة المجتمع المحلي " . وفي سنة 1954 تبنى مؤتمر " استردج" للتنمية الاجتماعية الصيغة العامة للتعريف السابق أي أن التنمية الاجتماعية هي " حركة مصححة لتحقيق حياة أحسن للمجتمع ككل عن طريق المشاركة الفعالة ..." .
وهكذا فقد ظهرت فكرة تنمية المجتمع لأول مرة في الوكالات والمجالس المتخصصة داخل الأمم المتحدة في دراسة منظمة سنة 1950. واتخذ المجلس الاقتصادي والاجتماعي في شهر مايو 1955 قرارا باعتبار منهج المجتمع وسيلة للتقدم الاجتماعي في المجتمعات النامية والمتخلفة. وصدر أول كتاب يعرف هذا المفهوم في أول دراسة منتظمة سنة 1955 وهو تعريف يذهب الى أن عملية التنمية للمجتمع هي العملية المصممة لخلق ظروف التقدم الاجتماعي والاقتصادي معا في المجتمع عن طريق مشاركة الأهالي ايجابيا في هذه العملية. ليأتي بعد ذلك تعريف ثاني سنة 1956 حيث أن تنمية المجتمع هي تلك العملية التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية ولمساعدتها على الاندماج في حياة الأمة والمساهمة في تقدمها بأقصى قدر . وما يمكن استنتاجه من التعريفين هو انه يشيران إلى افتراض أن المجتمعات المحلية تحتوي على طاقات بشرية تحتاج إلى التنظيم والتوجيه من جهة ثم أن هناك إمكانيات مادية تحتاج إلى التنظيم والاستثمار من جهة أخرى .كما يركز التعريفان على ضرورة المساعدة الذاتية وكذلك على عدم قدرة المجتمعات المحلية تحمل ثقل كافة عملية التنمية . وإذا ما عدنا إلى تعريف التنمية ، فانه كما قلنا يوجد اختلاف بين العلماء حسب نظرتهم الى هذا المفهوم . فنجد مثلا روستوف Rostow يعرف التنمية بأنها عملية تخلي المجتمعات المتخلفة على السمات التقليدية السائدة فيها والتبني للخصائص السائدة في المجتمعات المتقدمة . أما عبد المنعم شوقي فيقول : " إن عملية التنمية هي ذلك الشكل المعقد من الإجراءات والعمليات المتتالية ... التي يقوم بها الإنسان في مجتمع ما من خلال عمل تغيير مقصود وموجه يهدف إلى إشباع حاجة." وبالنسبة لكارل ماركس : " فالتنمية هي تلك العملية الثورية التي تتضمن تغييرات جديدة جذرية وشاملة في البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى القانونية زيادة الى نمط الحياة وأساليب العيش والقيم الثقافية ." وهنا يؤكد كارل ماركس كذلك أن البلدان الأكثر تقدما من الناحية الصناعية تمثل المستقبل الخاص بالنسبة للبلدان الأقل تقدما . ويقول سميلسرSmelser : إن التحديث والتنمية هي عملية تتضمن عدة تحولات في متغيرات الحياة مثل التكنولوجيا وذلك عن طريق تقدم هذا الميدان وتعقيده أكثر ...والسكان عن طريق التمدن والتحضر والزراعة بالمزيد من المنتوجات التجارية وعلى صعيد الأسرة ثم الدين بمزيد من العلمانية ." أما بالدوينBaldwin فان عملية التنمية لديه تحتاج إلى توفير معدلات عالية من النمو في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية . وبشكل عام فان مفهوم التنمية مفهوم شاسع ويختلف الباحثين في تعريفه ، ولكن ما لا يمكن نفيه أن هذه العملية هي عملية معقدة متشعبة الجوانب ، تضم الجانب الاقتصادي ، الاجتماعي ، السياسي والثقافي . والمفهوم العام لهذه العملية هو أنها مجموعة من العمليات المخططة والموجهة لتحقيق التغيير الجدري في المجتمع ، وذلك لتحسين الظروف الاجتماعية ، الاقتصادية ، السياسية والثقافية لأفراد المجتمع.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال