المغرب يدخل حلبة التنافس على القارة السمراء مع الدول العظمى.. بعد الاتحاد الأوروبي، المغرب يغني جنوب- جنوب

عندما كان الرئيس الليبي معمر القذافي يؤم الأفارقة، ويخطب فيهم، ويدعوهم إلى الاطلاع على كتابه الأخضر، واتباع تعاليمه، ومحاربة هيمنة الغرب كما يسميها من خلال العمل بالشهور العربية والتأريخ الهجري والسنة القمرية وتأسيس الولايات المتحدة الإفريقية، كان زعماء الدول المجاورة والبعيدة يسخرون منه ويرمونه بكل صفات التنقيص، لكن زيارة واحدة من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش إلى عدد من الدول الإفريقية لفت انتباه المستهزئين، وكشف لهم أن بعض الدول الإفريقية أصبحت حلبة تنافس بين شرطي العالم والند القادم، الصين، وأن القارة السمراء ستكون حلبة الصراع بين قوى الأرض في المستقبل.
بعد الاتحاد الأوروبي، المغرب يغني "جنوب-جنوب"
"المغرب شجرة جذورها المغذية في إفريقيا ومتنفس أغصانها في أوروبا"، هكذا وصف الملك الراحل الحسن الثاني موقع المملكة الاستيراتيجي والتي كانت في يوم من الأيام تمتد إلى السينغال ومالي، لكن الأولوية السياسية آنذاك كانت متجهة بالكامل نحو فرنسا البلد المستعمر سابقا، والولايات المتحدة الأمريكية البلد الحليف والذي كان المغرب أول من اعترف باستقلاله، إلا أن السنوات الأخيرة من العشر سنين مدة حكم الملك الجديد، وحصول المملكة على الوضع المتقدم في علاقتها بدول الاتحاد الأوروبي يمكنها من الحصول على نفس الامتيازات باستثناء العضوية الكاملة، وعددا من المستجدات السياسية جعل الرباط تتحول إلى الدول الإفريقية بعد أن أدارت ظهرها لها لعقود طويلة.
نور الدين بنشوشة، محلل سياسي فسر في حديث لنا أسباب هذا التسابق لكسب ود الدول الإفريقية، فقال "المغرب بدأ ينضج سياسيا، ويستقر أمنيا، فبعد الاستقلال نشب صراع حول السلطة بين الملك الراحل ومعارضيه، وبذل الطرفان جهودهما لكسب الدول العظمى إلى صفهما، وبعد ترجيح كفة الملك الراحل كانت قضية الصحراء في بدايتها، فاستمرت الحاجة لكسب ود هذه القوى والتوجه بالكامل لدول الاتحاد الأوربي في خطأ كبير عرفت بعده نتائجه، حين اعترفت دولة بحجم ومكانة جنوب إفريقيا بجبهة البوليساريو الانفصالية جمهورية مستقلة، وهو الاعتراف الذي حسب للجارة الجزائر حليفة الانفصاليين".
هذا الخطأ سيعمل حاكم العهد الجديد على تداركه، حيث يواصل السيد بنشوشة موضحا "تهريب السلاح من خلال الصحراء، وتواجد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بها، وهجرة الأفارقة من هناك نحو المغرب للعبور سرا إلى إسبانيا، والتسابق بين الولايات المتحدة الأمريكية حليفة المغرب والصين الهيلمان القادم على ثروات بعض الدول الإفريقية الغنية بالنفط والغذاء، كلها أسباب أجبرت المغرب على التوقف عن إدارة ظهره لدول إفريقيا واستغلال للقرب الجغرافي والذاكرة التاريخية، والامتداد الديني من خلال الزوايا التي يرقد أولياؤها في أرض المغرب، لصالح المملكة، وجعله يرفع شعار جنوب-جنوب، والتعاون بين الدول الجنوبية، وعدم الاقتصار على طلب ود الدول الشمالية".
المغرب يخطب ود إفريقيا "إنسانيا"
في القمة الأورو-إفريقية الأولى بالقاهرة لسنة 2000 أعلن ملك المغرب في أول خطوة بعد توليه العرش عن إلغاء المملكة لديونه المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا وإعفاء منتوجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية ، معللا قراره هذا بأنها فرصة ومتنفسا لاقتصاديات هذه الدول التي أضحت تجد صعوبة في تسويق منتجاتها بسبب الاجراءا ت الحمائية التي تفرضها البلدان الغنية، ليقوم بعدها العاهل المغربي بجولات مكوكية قادته من موريتانيا إلى الكونغو الديمقراطية ، مرورا بالسينغال وبوركينا فاسو وغينيا الاستوائية والكامرون وبنين وغامبيا والنيجر وغيرها، انتهت ليس فقط بإبرام اتفاقيات التعاون، وإنما أيضا بإعطاء انطلاقة مشاريع ذات طابع اجتماعي إنساني تهم السكان مباشرة وخاصة سكان القرى والمناطق النائية التي توجد في أمس الحاجة لأبسط الخدمات الاجتماعية الضرورية.
وكانت أبرز اللحظت في هذه الجولات قيامه في سنة 2005 بزيارة بلدة ماراي الواقعة على بعد 550 كلم جنوب العاصمة النيجيرية نيامي ، التي كان سكانها يعانون من آثار جفاف غير مسبوق ، حيث اطلع جلالته على وضعية هذه الساكنة ووقف على حاجياها الغذائية، ليكون بذلك أول رئيس دولة أجنبية يزور هذه البلدة الفقيرة.
يعلق مصدر مطلع على هذا الحدث قائلا:"إن حصول المغرب على وضع متقدم في علاقته بالاتحاد الأوروبي أتى بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذها المغرب ليس فقط على الصعيد الوطني وإنما أيضا الإقليمي، فهو بوابة الأفارقة للهجرة نحو أوروبا، وهي ورقة ضغط تملكها المملكة لتحقيق مصالحها خاصة في مواجهة الجارة الإسبانية التي غالبا ما تتميز العلاقة معها بالتوتر...يمكن القول إن المغرب أصبح اليد اليمنى لدول الاتحاد الأوروبي في الدخل إفريقيا وتحسين الوضع هناك حتى ينعم سكان أوروبا البيض بحياتهم".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال