عولمة الإيديولوجيا.. تفكك تدريجي للغزوات الديموغرافية والتخلي عن التعقيد الاجتماعي والعودة إلى رأسمالية القرن التاسع عشر

الأخطر هو جعل الإيديولوجيا أداة (INSTRUMENTALISATION) للعولمة. وهذا يعني الإدانة مقدماً، بكل وضوح، لكل ذبذبة أو ضعف إرادة، لدى المقاومة، وحتى الانفصال، باسم "الواقعية". فهي متأثرة أيضاً بخزي، أو محددة، على أنها "شعبية"، كجميع الانتفاضات الجهورية، وجميع الأبحاث المتعاقبة، وجميع المحاولات، لتنظيم الديموقراطية وجميع انتقادات السوق، فالعولمة، ليست قدراً لا يمكن السيطرة عليه، ولا "حادثاً" في التاريخ، وهي تشكل تحدياً كبيراً للكشف عن همجية قوى السيطرة ووحشيتها. بعبارة أخرى: فجعلها في النتيجة، حضارية.
ويتعلق الأمر من الناحية السياسية بمقاومة، هذا الانحلال الظلامي للسياسة نفسها وفي الخضوع وفي اليأس.
وهذا ليس أقل تناقضاً من هذه العولمة وما تخفيه، خلف مظهر من الحداثة، لما بعد الصناعة، وما تبديه بإغراء الانترنيت من تطور "رجعي" من الناحية السياسية، بالمعنى الدقيق للعبارة، وهي بعبارة أخرى: تفكك تدريجي للغزوات الديموغرافية، والتخلي عن التعقيد الاجتماعي، والعودة إلى رأسمالية القرن التاسع عشر الماضية، تحت غطاء (التكيف) والنزعة (التنافسية).
ولدينا تأكيد لذلك في كل عام إذ يتجمع، في دافوس، المدينة السويسرية الصغيرة، في قلب الشتاء، المسؤولون الرئيسون في الكرة الأرضية- رؤساء الدول، أصحاب البنوك؛ أصحاب المال، مديرو الشركات الكبرى متعددة الجنسية- من أجل وضع النقاط على الحروف، حول إنجازات اقتصاد السوق، نتيجة التبادل الحر وعدم التنظيم.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال