ألزمت اتفاقية التربس الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بأن تتيح في تشريعاتها الوطنية إمكانية حصول جميع الاختراعات على براءة اختراع ، طالما توافرت شروط الحصول على البراءة، سواء أكانت منتجات أم عمليات صناعية، في كافة ميادين التكنولوجيا([1]). وقد أوجب هذا الحكم على جميع الدول الأعضاء حماية كافة طوائف الاختراعات عن طريق البراءة، أيا كان المجال التكنولوجي الذي ينتمي إليه الاختراع .
ويلزم هذا الحكم الدول الأعضاء التي تستبعد تشريعاتها الاختراعات الدوائية أو الكيميائية أو الغذائية من نطاق الحماية عن طريق البراءة،
و/أو الدول التي تقصر منح البراءة على الاختراعات المتعلقة بالطريقة الصناعية دون الاختراعات المتعلقة بالمنتجات, بأن تعدل قوانينها بما يتوافق مع أحكام الاتفاقية ([2]) . وهذا يقتضى تعديل تشريعاتها لإتاحة منح براءة المنتج وبراءة الطريقة الصناعية لكافة الاختراعات الدوائية والكيميائية والغذائية، شأنها في ذلك شأن غيرها من الاختراعات التي تنتمى إلى المجالات التكنولوجية الأخرى، طالما توافرت فيها شروط منح البراءة.
كما أوجبت المادة 27/1 من الاتفاقية على الدول الأعضاء عدم التمييز بين الاختراعات فيما يتعلق بمنح البراءة أو التمتع بحقوق ملكيتها على أساس مكان الاختراع، أو المجال التكنولوجي الذى ينتمى إليه، أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً.
ومن ثم لا يجوز للدول الأعضاء أن تميز في المعاملة بين الاختراعات التي ابتكرت في داخل إقليمها والاختراعات التي تم التوصل إليها في الخارج سواء فيما يتعلق بإمكانية الحصول على البراءة، أو الحقوق التي تمنح لأصحابها، ([3]) كما لا يجوز التفرقة في المعاملة بين الاختراعات على أساس المجال التكنولوجي الذى ينتمى إليه الاختراع. ولا يقتصر تطبيق مبدأ المساواة في المعاملة بين الاختراعات على المساواة فيما بينها من حيث إمكانية الحصول على البراءة ، بل يمتد تطبيق مبدأ المساواة إلى التمتع بحقوق ملكية البراءة .
ومن ثم فقد ألزمت الاتفاقية الدول الأعضاء التي تميز بين الاختراعات التي تنتمى إلى مجالات تكنولوجية مختلفة بأن تعدل هذا الحكم لتقرير المساواة في المعاملة بين طوائف الاختراعات المختلفة سواء من حيث شروط منح البراءة ، أو التمتع بحقوق ملكيتها.
ومن الجدير بالذكر أن التفرقة في المعاملة بين طوائف الاختراعات كانت مقررة في تشريعات دول كثيرة ، وخصوصاً في الدول النامية. ففي مصر كانت المادة الثانية (ب) من قانون براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية الملغى رقم 132 لسنة 1949 لا تجيز منح البراءة عن الاختراعات الكيميائية المتعلقة بالأغذية أو العقاقير الطبية أو المركبات الصيدلية إلا إذا كانت هذه المنتجات تصنع بطرق أو عمليات كيميائية خاصة، وفى هذه الحالة الأخيرة لا تنصرف البراءة إلى المنتجات ذاتها بل تنصرف إلى طريقة صنعها . أما من حيث مدة الحماية فقد كان قانون براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية يحدد في المادة 12 منه مدة البراءة بخمسة عشر سنه، تبدأ من تاريخ طلب البراءة، ويجوز تجديدها مرة واحدة لمدة لا تتجاوز خمس سنوات، أما البراءة التي تمنح عن الاختراعات الكيميائية المتعلقة بالأغذية أو العقاقير الطبية أو المركبات الصيدلية , وهى براءة الطريقة الصناعية , فمدتها عشر سنوات غير قابلة للتجديد .([4]) وفى الهند كان قانون براءات الاختراع الهندي القديم الصادر سنة 1970 يحدد مدة البراءة كقاعدة عامة بـ 14 سنة، بينما كان يحدد مدة البراءة التي تمنح للأدوية والأغذية - وهى براءة الطريقة الصناعية- بـ 5 سنوات من تاريخ القرار النهائي بمنح البراءة أو 7 سنوات من تاريخ طلب الحصول على البراءة أيهما أقصر ([5]).
وحيث أن المادة 27/1 من اتفاقية التربس تلزم الدول الأعضاء بعدم التفرقة في المعاملة بين الاختراعات فقد أوجب هذا الحكم على جميع الدول الأعضاء التي تتضمن تشريعاتها أحكاماً تماثل ما تضمنه القانون المصري والقانون الهندي من أحكام إلغاء التفرقة في المعاملة بين الاختراعات الدوائية والكيميائية والغذائية وغيرها من طوائف الاختراعات الأخرى.
وبالإضافة إلى ذلك أوجبت المادة 27/1 من اتفاقية التربس على الدول الأعضاء أن تمنح براءات اختراع ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز بين الاختراعات فيما يتعلق بما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً . وقد نصت على ذلك بقولها " …تمنح براءات الاختراع ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز فيما يتعلق بـ …أو … أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً". وقد قيل في تفسير هذا النص أنه يفرض على الدول الأعضاء إلغاء الالتزام الذى تفرضه تشريعاتها على صاحب البراءة بالاستغلال الصناعي للاختراع في إقليم الدولة المانحة للبراءة([6]) وهو التزام كانت تفرضه كثير من تشريعات الدول النامية على مالك البراءة لجذب الاستثمارات الأجنبية ودفع عجلة التنمية الصناعية والاقتصادية, غير أن هذا التفسير لم تسلم به تشريعات بعض الدول النامية . ومن أمثلة هذه التشريعات قانون الملكية الصناعة البرازيلي الصادر 1996 ، إذ ألزمت المادة 68(أ) من القانون مالك البراءة باستغلال الاختراع في البرازيل ، وفرضت جزاء الترخيص الإجباري على تخلفه عن تنفيذ هذا الالتزام([7]) وكذلك فعل قانون حماية حقوق الملكية الفكرية المصري الجديد في المادة 23 رابعا.
(1) وقد نصت المادة 27/1 من الاتفاقية على ذلك بقولها: "مع مراعاة أحكام الفقرتين 2، 3، تتاح إمكانية الحصول على براءات اختراع لأى اختراعات ، سواء أكانت منتجات أم عمليات صناعية، في كافة ميادين التكنولوجيا ، شريطة كونها جديدة وتنطوي على "خطوة إبداعية " وقابلة للاستخدام في الصناعة . ومع مراعاة أحكام الفقرة 4 من المادة 65، والفقرة 8 من المادة 70، والفقرة 3 من هذه المادة، تمنح براءات الاختراع ويتم التمتع بحقوق ملكيتها دون تمييز فيما يتعلق بمكان الاختراع أو المجال التكنولوجي أو ما إذا كانت المنتجات مستوردة أم منتجة محلياً".
([2]) ومن هذه التشريعات قانون براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية المصري الملغى رقم 132 لسنة 1949، حيث أن المادة الثانية (ب) من القانون كانت لا تجيز منح البراءة عن الاختراعات الكيميائية المتعلقة بالأغذية أو العقاقير الطبية أو المركبات الصيدلية إلا إذا كانت هذه المنتجات تصنع بطريق عمليات كيميائية خاصة, وفى هذه الحالة الأخيرة لا تنصرف البراءة إلى المنتجات ذاتها بل تنصرف إلى طريقة صنعها.
([3]) ومن الجدير بالذكر أن بعض التشريعات المعمول بها قبل تطبيق اتفاقية التربس كانت تقصر منح بعض حقوق الملكية الفكرية على المواطنين دون الأجانب. وقد حظرت اتفاقية التربس التمييز في المعاملة بين الوطني والأجنبي وأقرت مبدأ المعاملة الوطنية بمقتضى المادة الثانية من الاتفاقية. غير أن هذا لا يعنى أن اتفاقية التربس استحدثت مبدأ المعاملة الوطنية ، حيث أن المبدأ قررته عديد من الاتفاقيات الدولية السابقة عليها ، ومن أقدمها اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية 1883، واتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية 1886.
([4]) وقد تأثرت قوانين براءات الاختراع في الدول العربية إلى حد كبير بأحكام قانون براءات الاختراع المصري القديم رقم 132 لسنة 1949، ونقلت كثيراً من أحكامه . فعلى سبيل المثال نقل قانون براءات الاختراع الكويتي القديم رقم 4 لسنة 1962 في مادته 12 ذات حكم المادة 12 من القانون المصري.
([5]) وهذه المدة تقل عن المدة التي حددتها اتفاقية التربس، إذ وضعت المادة 33 من الاتفاقية حداً أدنى لمدة البراءة وهو 20 سنة تحسب اعتباراً من تاريخ التقدم بطلب الحصول على البراءة ، ويسرى هذا الحكم على كافة طوائف الاختراعات بدون تمييز. وقد عدلت الهند مده الحماية في قانونها بما يتوافق مع اتفاقية التربس.
([6]) انظر في عرض هذا الاتجاه :Carlos Correa, The Trips Agreement : Implementation Problems in Developing Countries , p. 6
(7) وقد تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بشكوى إلى جهاز تسوية المنازعات تضمنت الادعاء بأن هذا النص يخالف اتفاقية التربس ، غير أن الولايات المتحدة توصلت إلى تسوية ودية مع الحكومة البرازيلية في هذا الشأن, وأخطرت جهاز تسوية المنازعات بذلك ، وبالتالي لم يستمر النظر في شكواها.
انظر وثائق منظمة التجارة العالمية: WT/DS 199
التسميات
ملكية فكرية