تدعيم وحماية حقوق الملكية الفكرية على المستوى الدولي.. حماية مصالح الدول الصناعية المتقدمة التي تملك العلم والمال والتكنولوجيا

على الرغم من الدور الهام الذي تلعبه المنظمات الدولية المختلفة، وفى مقدمتها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، في تدعيم حقوق الملكية الفكرية على المستوى الدولي منذ زمن بعيد، إلا أن الاتجاهات العالمية سارت نحو إدماج حقوق الملكية الفكرية في النظام التجاري العالمي الجديد، فأدرجت حقوق الملكية الفكرية ضمن موضوعات تحرير التجارة العالمية في الجولة الثامنة لمفاوضات الجات (جولة أورجواي، 1986 – 1993) وأسفرت المفاوضات عن إبرام عديد من الاتفاقيات، من أهمها اتفاقية الجوانب المتصلة بالتجارة من حقوق الملكية الفكرية ( اتفاقية التربس). وقد أحدثت هذه الاتفاقية تغييرات جوهرية في نظام حماية حقوق الملكية الفكرية على المستوى الدولي، بعد إدراجها ضمن موضوعات النظام التجاري العالمي الجديد، وإشراف منظمة التجارة العالمية عليها.
وقد فرضت اتفاقية التربس على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية أن توفر في تشريعاتها الداخلية حداً أدني من معايير حماية حقوق الملكية الفكرية. وبينما يتفق الحد الأدنى من معايير الحماية التي فرضتها الاتفاقية مع معايير الحماية السائدة في الدول الصناعية المتقدمة، إلا أن هذه المعايير تفوق بكثير معايير الحماية السائدة في الدول النامية. ومن الغني عن البيان أن رفع مستويات حماية حقوق الملكية الفكرية يتفق مع مصالح الدول الصناعية المتقدمة لأنها هي التي تملك العلم والمال والتكنولوجيا، أما الدول النامية فهي لا تملك من ذلك إلا النذر القليل.
وهذا يعنى أن اتفاقية التربس سوف تؤدي إلى إحداث تغييرات جوهرية في قوانين الملكية الفكرية السائدة فى الدول العربية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ([1]) شأنها في ذلك شأن غيرها من الدول النامية، إن لم تكن قد أحدثت هذه التغييرات بالفعل. وهذه التغييرات من شأنها رفع وتدعيم مستويات حماية حقوق الملكية الفكرية بما يتوافق مع المعايير الجديدة التي وضعتها اتفاقية التربس.
وعلى الرغم من الآثار السلبية التي قد تترتب على تطبيق اتفاقية التربس في الدول النامية، إلا أن الاتفاقية قد وضعت مجموعة من المبادئ والإستثناءات التي تتيح للدول النامية فرصة التخفيف من حدة هذه الآثار. ولا شك أن من مصلحة الدول العربية ، شأنها في ذلك شأن غيرها من الدول النامية ، الاستفادة من هذه المبادئ والإستثناءات عند سن تشريعاتها الوطنية بما يتوافق مع أحكام الاتفاقية.
وفى مجال براءات الاختراع، ألزمت المادة 27 من الاتفاقية الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بأن تتيح إمكانية الحصول على براءة اختراع لجميع الاختراعات في كافة ميادين التكنولوجيا طالما توافرت شروط منحها، دون تفرقة بين مجال تكنولوجي وآخر. وللتخفيف من الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على تطبيق هذا المبدأ فقد أجازت الاتفاقية للدول الأعضاء أن تستثني من قابلية الحصول على البراءة ثلاث طوائف من الاستثناءات.
(1)  وقد بلغ عدد الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية حتى الآن 146 عضوا. وبلغ عدد الدول العربية الأعضاء حتى الآن 11 دولة عربية هي: الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، جيبوتي، عمان، قطر، الكويت، مصر، المغرب، موريتانيا.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال