تطور مبدأ حماية الكائنات الدقيقة في الأنظمة القانونية المقارنة.. نظام براءات الاختراع يقضي باستبعاد الكائنات الحية بكافة أشكالها وأنواعها من دائرة الحماية عن طريق البراءة

قررت أحكام القضاء الأمريكي منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين قابلية المنتجات التي تستخدم الكائنات الدقيقة في إنتاجها للحصول على البراءة. ومن أهم القضايا التي أرست هذا المبدأ قضية Merck & Co. v . Olin Mathieson Chem . Corp  .وقد قضت الدائرة الرابعة لمحكمة الاستئناف الفيدرالية في هذه القضية بصحة براءة اختراع منتج عبارة عن دواء يحتوى على عناصر لها فاعلية فيتامين ب 12، يستخدم في علاج الأنيميا الحادة ويتم تحضيره باستخدام نوع من الفطريات يتم الحصول عليها بطريق التخمير لاستخلاص المواد التي تدخل في تركيب الدواء.
وفى فرنسا لم يعالج قانون البراءات الفرنسي الصادر سنة 1968 مسألة قابلية الكائنات الدقيقة للحصول على البراءة شأنه في ذلك شأن تشريعات غالبية الدول. غير أن أحكام القضاء الفرنسي قررت حماية الطرق البيولوجية الدقيقة ، مثل طريقة التخمير fermentation، عن طريق البراءة ، على اعتبار أنها تعد بمثابة تطبيق جديد لوسيلة صناعية معروفة.
وتناولت اتفاقية منح البراءة الأوروبية (EPC) هذا الموضوع، ونصت المادة 53 من الاتفاقية على أنه:
" لا تمنح براءات الاختراع الأوروبية عن : (أ) ... (ب) أصناف النباتات والحيوانات، وكذلك الطرق البيولوجية فى معظمها لإنتاج النباتات والحيوانات. ولا يسرى هذا الحكم على الطرق البيولوجية الدقيقة، والمنتجات التى يتم الحصول عليها باستخدام هذه الطرق".
وقد نقلت تشريعات الدول الأوروبية هذا الحكم عن اتفاقية ميونيخ. ففي سنة 1978 عدلت المادة 7 من قانون براءات الاختراع الفرنسي الصادر سنة 1968 وقررت الفقرة (جـ) من المادة المذكورة  بأن الاستثناء المتعلق بأصناف الحيوانات والطرق البيولوجية في معظمها لإنتاج النباتات والحيوانات من قابلية الحصول على البراءة لا يسرى على الطرق البيولوجية الدقيقة والمنتجات التي يتم الحصول عليها باستخدام هذه الطرق (القانون رقم 68 – 742 الصادر في 13 يوليو 1978 مادة 5) وكذلك فعلت تشريعات الدول الأوروبية الموقعة على اتفاقية ميونيخ.
وقد أسبغت النصوص التشريعية المتقدمة الحماية عن طريق البراءة على طرق استخدام الكائنات الدقيقة، وعلى المنتجات التي يتم الحصول عليها باستخدام هذه الطرق، ولكنها لم تعالج مسألة حماية الكائنات الدقيقة ذاتها عن طريق البراءة، وذلك لأن حماية هذه الكائنات كانت تصطدم بالمبادئ التقليدية الراسخة التي يقوم عليها نظام براءات الاختراع، والتي تقضي باستبعاد الكائنات الحية بكافة أشكالها وأنواعها من دائرة الحماية عن طريق البراءة.
وفى سنة 1980 بدأت المبادئ التقليدية التي تقضى باستبعاد الكائنات الحية من الحماية في التراجع عندما أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية حكمها الشهير في قضية Diamond v. Chakrabarty ([4])، وقضت بصحة منح البراءة عن ابتكار موضوعه نوع من البكتيريا لها قدره على إذابة المخلفات البترولية، تم استنباطها  عن طريق تغيير الجينات. وقد أحدث هذا الحكم تعديلاً جذرياً في المبادئ التي يرتكز عليها النظام القانوني لبراءات الاختراع، إذ قرر حماية الكائنات الدقيقة ذاتها وليس مجرد طريقة استنباطها عن طريق البراءة. وقد تأثرت الأنظمة القانونية المطبقة في الدول المتقدمة إلى حد بعيد بهذا الحكم وبدأت في الاتجاه نحو إسباغ الحماية على الكائنات الدقيقة ذاتها عن طريق البراءة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال