البيئة.. الاستجابة للحاجات الحالية دون تعريض قدرة الأجيال المستقبلية للخطر والاستجابة لحاجاتهم الخاصة

لقد سمحت الثورة الصناعية، بانطلاقة اقتصادية، على مستوى الكرة  الأرضية، في القرن العشرين، ونتج عنها اندفاعة اجتماعية هامة. حيث تحسن الوضع الشامل في البلدان التي عرفت هذه الثورة الصناعية.
لكن، لم يبتعد شبح الجوع والأوبئة والجائحات الكبرى، التي كانت تضرب السكان المحرومين بنسب عملاقة. وشكل موضوع مضاعفة الإنتاج، والوصول إلى الاستهلاك الفائق عن الحد، لجزء يتزايد من السكان الأفضلية التي تفوقت على كل هدف آخر، مما أعطى تلك المجتمعات، اسم المجتمعات الاستهلاكية.
وأحدث الارتياح  في البلدان المتطورة بالنسبة لغالبية السكان، نوعاً من الوعي، اعتباراً من سبعينيات القرن العشرين/ القائل إنه يمكن للمصادر التي بدت في الماضي، غير محدودة، وبلا مقابل، أن تكون قابلة للنفاذ. إذن أصبح لها ثمن. ويمكن أن يصبح الهواء والماء نادرين، أو أن يصابا بالتلف، وأن أعمال الإنسان تساهم في إعلان الكثير بواسطة التصنيع. ولم يعد بإمكان المصادر الطبيعية أن تكون معتبرة كمواد لا تفنى أو لا تنضب. وأصبحت عمليات التحضير، من الحضارة، التي ترجمت في المراحل الأولى، على أنه لتحسين شروط الحياة، بلا جدال، أصبحت بعد الآن، أمراً معاشاً بالنسبة لجزء هام من سكان الكرة الأرضية. لكنه تسبب بالوصول إلى حياة أخذت تهدد الإنسانية جزئياً، في الوقت نفسه. وأصبح القلق يسيطر على بعض الهيئات العلمية، وبعض الحركات الإنسانية، وعلى المواطنين بسبب ما تتعرض لـه كرتنا الأرضية من كوارث بيئية، وفي سبيل البحث عن الوسائل المؤدية لحفظ هذه البيئة من الكوارث.
واستطاع تآكل التربة أن يمنع الزراعة لتغذية سكان هذه الكرة الأرضية، كما استطاع انبعاث الغازات ونشرها خلق ثقب في طبقة الأوزون التي تحمي أرضنا من الأشعة ما فوق البنفسجية، التي تصدر عن الشمس. كما استطاع إعادة تسخين الأرض، أن يحدث ارتفاعاً في مياه المحيطات والبحار، وتسبب في غمر العديد من المناطق الشاطئية، علاوة على كونها، من بين الأراضي الأخصب.
إن ترقيق، أو تصغير المصادر غير القابلة للتجديد، والتهديدات التي تؤثر في التنوع الحيوي، والتبدلات المناخية، التي حدثت نتيجة نشاط الإنسان، هي اليوم، إذن، مصدر قلق رئيس. فهل تتمكن الكرة الأرضية أن تؤوى الحياة الإنسانية على الدوام، في شروط مقبولة؟ وهل من غير الممكن أن يفتح الشيطان بعد اليوم على الإنسان بابه، مع نشدان هذا الإنسان التقدم، إلى حد أن يكون ذلك التقدم مصدراً للتراجع؟ لحد معين.
لقد نشر نادي روما في عام (1972) تقريراً، تحت عنوان مثير: " أوقفوا التنمية" (HALT ALA EROISSANCE )(2) وبحسبه يمكن للتنمية الاقتصادية، الملاحظة، خلال مجرى الثلاثين سنة الأخيرة، أن تؤدي إلى الاستغلال المفرط للمصادر الطبيعية، حسبما يرى علماء الاقتصاد، في هذا النادي، وجرى إنشاء برنامج الأمم المتحدة، في سبيل التنمية، على الأثر، وكان للصدمة النفطية، والأزمة الاقتصادية. في أواسط سبعينيات القرن العشرين، كتأثير العمل من أجل تهدئة المخاوف أو القلق نتيجة الأخطار التي قد تنشأ عن تنمية مدعومة. وقد أعقب المخاوف على البيئة وزاد من الخوف ـ غرق ناقلة النقط المسماة توري كانيون التي ساهمت في زيادة التلوث بشكل كبير ـ النقص في النفط. وأخذت الأبحاث تجري، بحثاً عن تنمية طاقات بديلة. وقد أثار موضوع اللجوء للطاقة النووية، التي قُدّمت كونها الأفضل كبديل عن النفط  من الناحية الاقتصادية وبأنها الأحدث، وكذلك سهولة بلوغها من قبل جميع البلدان المتطورة، باعتبار هذه البلدان، المستهلك الأكبر للطاقة، آثار حوارات ملتهبة حول الأخطار البيئية التي تمثلها تلك الطاقة النووية.
بالتأكيد، يمكن للتكهنات الأكثر تفاؤلاً، أن تتكشف عن كونها مبالغاً بها في بعض الأحيان. ويجب هنا، الحذر من الإثارات ومن السيناريوهات الكارثية، كما في كل مكان.
فقد كتبت مجلة لايف (LIFE) الأمريكية في شهر كانون الثاني عام (1970) ما يلي:
يملك العلماء براهين راسخة، قائمة على المعرفة والخبرة والنظرية، المسنودة [...]، التنبؤات التالية: سيرغم التلوث الجوي، سكان المدن، على لبس قناعات الغاز، قبل مرور عقد من الزمن [...]  وصرّح عالم البيئة كنث وات KENNETH WATT لمجلة تايم في عام (1985)، كان من المفروض أن يخفض التلوث البيئي، من كمية الضوء الشمسي الذي يبلغ الأرض إلى النصف [...]. ويضيف أنه مع الاستمرار في الوتيرة الحالية من تراكم الآزوت لن يكون الأمر سوى مسالة وقت حتّى لا يعود الجو يسمح بمرور الضوء، وبأن الأراضي لن تصبح قابلة للزراعة".
وبينت النيوز ويك (NEWS WEEK) في تحقيق صحفي خاص، بشهر كانون الثاني عام (1970)، تحت عنوان "البيئة المدمرة": يدعي فيه المنظرون في مجال تأثير الزراعات المحمية (SERRE)
ـ أي الأبنية التي تستنبت بها نباتات البلاد الحارة ـ أن الكرة الأرضية مهددة بارتفاع حراري، فإذا بلغ من (4 ـ5) درجات مئوية، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تذويب الكتل الثلجية القطبية، مما سيؤدي إلى رفع مستوى المحيطات والبحار مما سيؤدي إلى إحداث تلاطم في الأمواج في البحار والمحيطات في جميع أنحاء سطح الكرة الأرضية".
لكن هناك علماء آخرون ادعوا بشكل موازٍ، أن الغطاء من السحب، أو الغيوم، التي تحيط بالكرة الأرضية، لا تتوقف عن أن تتسَمَّك أي تصبح سمكية، كلما قذفت مداخن المصانع والطائرات النفاثة الغبار والدخان وبخار الماء في الجو. كذلك فالكرة الأرضية، ستبرد، لكنها ستكون محرومة من حرارة الشمس، وسيسقط بخار الماء من جديد وسيتجمد، وهنا سيبدأ عصر جليدي جديد".
لا تأخذ هذه التنبؤات ذات الطابع الكارثي، بالاعتبار،الإجراءات التي يمكن اتخاذها، كرد فعل على هذه التهديدات والأسوأ، أن تترجم التنمية، بأنها تتسبب في تقهقر الوضع البيئي، وبشكل لا يمكن إصلاحه، وهو أمر غير مؤكد إطلاقاً.
وربما يمكن تجنب ذلك، إذا اتخذت الإجراءات المعاكسة الضرورية، وإذا جرى تنفيذ الجهود الواقية. وبالنتيجة يمكن أن يترجم الوضع الاقتصادي الذي يأخذ بالاعتبار المشاكل البيئية، وبأفضل السبل. ومن أجل ذلك، يجب أن تنفق الحكومات ما يلزم لاتخاذ الإجراءات الضرورية. لكن يتطلب ذلك الإرادة السياسية القوية، والتدخلات الطموحة، وعدم ترك الأمور تسير على عواهنها.
وقدم البنك الدولي تقريراً في عام (1992)، كشف فيه، أن تراكم الجزئيات الخاصة بـ"ديوكزيد DIOXYDE" الكبريت الأصفر، عندما تعلن الشركات عن عروض تتعلق بدخل الأفراد الذي تتراوح ما بين (3280 ـ3670) دولار في الشهر، بسبب الأضرار التي تلحق بهؤلاء الأفراد. وتبدأ الشركات بالدفع من أجل الحصول على بيئة من أفضل نوع، ما أن تجتاز هذه الحدود، خصوصاً من الماء والهواء النقيين.
ولم تظهر مشكلة التلوث في القرن العشرين، حيث لم يظهر الناس احتراماً طبيعياً لبيئتهم، منذ الأصل، فكانت عمليات التصنيع في القرن التاسع عشر، مكلفة بوجه خاص، ضمن أجل من التدهور البيئي. ويتم الاستشهاد غالباً، بالمثال، الذي يُذْكر بشأن المزيج من الدخان والضباب (SMOG) الذي تسبب بقتل (700) شخص في أسبوع واحد في لندن، في كانون الأول عام (1873). أصيبوا بمشكلات تنفسية.
لكن، وخلافاً للوضع الراجح في القرن العشرين، ليست الإصابات بسبب البيئة اليوم ظواهر محلية مجردة. إن الترابط و العولمة، يلعبان في الوقت نفسه دوراً في المجال البيئي.
وأخذ العلماء على عاتقهم السعي لتطبيق صيغة القديس اكسوبيرى (EXOPERY ـSAINT) التي بحسبها: " ليست الأرض تركة عن أسلافنا وحسب، بل هي قرض أو (أمانة) نؤديها لأحفادنا".
إن التحدي الذي يحط بثقله على المجتمع الدولي اليوم، ليس العودة إلى التنمية صفر." وهذا أمر من الصعب تبريره من وجهة نظر الفقر والإملاق لدى جزء كبير من سكان الكرة الأرضية"، لكن في الوقت نفسه في سبيل ضمان تنميته نحترم البيئة.
ومن هنا، يأتي مفهوم "التنمية المستمرة" التي أُطلقت عام (1987)، ضمن تقرير اللجنة الدولية بشأن البيئة والتنمية، "حسب تقرير برونتلاند (BRUNTLAND)، وهو اسم رئيس وزراء النرويج الذي ترأس اللجنة. فالتنمية المستمرة هي "التي تستجيب للحاجات الحالية، دون تعريض قدرة الأجيال المستقبلية للخطر، وتستجيب لحاجاتهم الخاصة."
ويجب أن لا تحرم التنمية الأرض من مصادر تتسبب في تدمير النظام الاقتصادي لأن هذا سيدمر شروط التنمية نفسها، ضمن مدى منظور.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال