فيما عدا الحالة في العراق - حيث أن الأقلية الكردية التي تشكل الأكثرية السكانية في الشمال الشرقي للوطن والتي تسيرها سياسيا وتسيطر على مقدراتها أحزاب انفصالية وعصابات مسلحة لها ارتباطات خارجية بالحركة الصهيونية العالمية والاستعمار الغربي وشركات النفط الاحتكارية ومنذ تأسيس الدولة العراقية والتي شكلت للحكومات العراقية المتعاقبة عقبات في طريق التنمية والاستقرار - تعيش في العالم العربي أقليات عرقية ودينية وطائفية بصورة متآخية نسبيا دون مشاكل رئيسية. لكن في منتصف العقد السابع من القرن الماضي ولحد عام 1991 حدثت مناوشات وحروب أهلية كثيرة في لبنان نتيجة الصراعات الحزبية الداخلية والتدخل الخارجي في السياسة الداخلية والخارجية اللبنانية سببها طبيعة الدستور والتكوينة الشعبية اللبنانية وأيضا تواجد اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم عام 1948 والتدخل الصهيوني المستمر في لبنان الذي يبغي زعزعة الأمن اللبناني ومطاردة قيادات وكوادر المقاومة الفلسطينية خصوصا في الجنوب اللبناني، كذلك حدثت حرب اهلية في لبنان بعد إنتهاء حرب عام 2006 بين حزب الله والكيان الصهيوني. في مصر هناك مشاكل مستمرة وبشكل متقطع بين الأقباط والمسلمين، وفي أقطار المغرب العربي هناك مشاكل مع البربر وحقهم باستعمال لغتهم المسماة بالأمازيغية. في السودان كانت وما تزال هناك مشاكل في جنوبه رغم الاتفاق مع قيادة حركة التمرد السوداني ومشاركتهم في الحكم، كذلك هناك مشكلة كبيرة معقدة وحروب في منطقة دارفور. كذلك هناك حروب أهلية في الصومال ومنذ عام 1991 ولحد يومنا هذا. هناك أيضا بعض المشاكل مع الأقلية الكردية في سوريا لكنها ليست ظاهرة للعلن وكما هي الحالة في العراق والدول المجاورة.
أما من ناحية المشاكل الطائفية فإن العرب والمسلمين الذين يتبعون الدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية الصحيحة أناس مسالمون وليسوا طائفيين على الرغم من وجود خمسة مذاهب رئيسية في الدين الإسلامي. لم يكن هناك صراع طائفي واسع في عصرنا الحديث قبل تأسيس الأحزاب الدينية الشعية والسنية، وكذلك لم تحدث صراعات بين السنة والشيعة في الدول العربية قبل مجيء خميني إلى الحكم في إيران بعد سقوط حكم الشاه محمد رضا بهلوي عام 1979 نتيجة لثورة شعبية عارمة اشتركت فيها جميع قطاعات الشعب الإيراني وقواها السياسية المختلفة. لكن هذه الثورة انحرفت عن مجراها بعد سيطرة خميني وأتباعه من رجال الدين الطائفيين الشيعة ومريديهم من عامة الناس على الحكم ومطاردة وتصفية القوى اليسارية والوطنية الإيرانية جسديا، التي لعبت دورا مهما وأساسيا في إسقاط حكم الشاه. الجناح الشيعي الذي يمثله خميني يختلف تماما عن المذهب الشيعي الجعفري لأنه جناح محرف ومنحرف وأدخلت فيه خزعبلات دينية وأساطير لا يصدقها العقل السليم. لقد نصب الخميني نفسه كفقيه وممثل للرب في الأرض ووكيل الإمام المهدي المنتظر وبهذا أحدث ما يسمى بنظام ولاية الفقيه في المذهب الشيعي الخميني الصفوي. كان لخميني طموحات قومية فارسية لإعادة تأسيس الإمبراطورية الفارسية التي أسقطها العرب المسلمون في معركة القادسية الأولى في 13 شعبان عام 15 للهجرة المصادف لسنة 635 ميلادية بقيادة الفارس العربي سعد بن أبي وقاص، ولهذا أعلن (الخميني) بأنه يبغي تصدير الثورة الإيرانية الى الدول العربية والإسلامية ابتداءً من العراق، بمعنى أخر أنه كان يوظف الدين والدجل المذهبي الديني من أجل تحقيق طموحاته القومية.
قبل استيلائه على الحكم في إيران وأثناء مكوثه في العراق في النجف الأشرف لمدة خمسة عشر سنة تقريباً وقبل انتقاله لفرنسا أثناء الانتفاضة الشعبية على الشاه كانت للخميني علاقات وطيدة مع "حزب الدعوة" الشيعي العراقي الذي أسسه محمد باقر الصدر وسبعة آخرين من ردفائه عام 1957. بعد استيلائه على الحكم أخذ نظام خميني بالاعتداءات التحريضية على المدن والقصبات العراقية واحتلال قواته للعديد من المخافر العراقية المتاخمة للحدود الإيرانية وفي نفس الوقت كان يحرض شيعة العراق المنتمين إلى "حزب الدعوة" المحظور في ذلك الوقت إلى الانتفاضة وقلب نظام الحكم البعثي في العراق، وكذلك كان يطلق الشعارات البراقة الخاوية بتحرير مدينة القدس مرورا بكربلاء وبغداد بعد تغيير النظام العراقي. وفي هذا السياق، فقد أمر خميني صاحبه محمد باقر الصدر - الذي أراد الهرب إلى إيران بعد تضيق النطاق حول فعاليات حزب الدعوة التخريبية في العراق - أن يبقى في العراق واستلام السلطة في حالة قلب النظام العراقي إلا أن قوات الأمن العراقية ألقت القبض عليه وحكم عليه بالإعدام ونفذ ذلك الحكم بحقه في أبريل عام 1980.
الاعتداءات الإيرانية على العراق استمرت على الرغم من مئات الشكاوي والاحتجاجات (293 شكوى) التي قدمتها الحكومة العراقية بهذا الخصوص إلى السفارة الإيرانية في بغداد وإلى الأمم المتحدة والجامعة العربية، ولهذا فلقد قام العراق في 22/9/1980 بشن حرب دفاعية ضد إيران استمرت لمدة ثمانية أعوام خسرت إيران الخمينية تلك الحرب وتجرع خميني في 8 أغسطس/آب 1988 سم هزيمته في تلك الحرب التي أطلق عليها معركة القادسية الثانية أو قادسية صدام.
أثناء تلك الحرب شكلت إيران حزب معارض شيعي طائفي جديد إسمه المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة - محمد باقر الحكيم - المتكون من الأسرى العراقيين الشيعة (التوابين) وبعض أعضاء حزب الدعوة الذين هربوا الى إيران والتبعية الإيرانية الذين هجرهم العراق الى موطنهم الأصلي إيران بعد تأييدهم للأعمال التخريبية التي قام بها حزب الدعوة في العراق في أواخر العقد السابع من القرن الماضي. كوادر هذا الحزب قاموا بأعمال إجرامية ضد الأسرى العراقيين يدمى لها الضمير الإنساني.
في تلك الحرب وقفت جميع الدول العربية تقريبا مع العراق إلا سوريا البعثية العربية التي كان يحكمها حافظ الأسد الذي وقف مع إيران الفارسية ضد العراق العربي وأسس حلف إستراتيجي معها وزودها بالسلاح وقطع الغيار وفي نفس الوقت أوقف تصدير النفط العراقي عبر الأراضي السورية إلى ميناء بانياس السوري الواقع على سواحل البحر الأبيض المتوسط. حافظ الأسد أيضا سمح للمعارضة العراقية المتمثلة بأعضاء وقيادات الحزب الشيوعي العراقي وقيادات وأعضاء حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وقيادات الأحزاب الكردية باللجوء الى سوريا وزودهم بالمال وجوازات السفر الدبلوماسية لتفعيل نشاطهم العدائي ضد العراق وضد حزب البعث الحاكم في العراق.
الدول العربية خصوصا الخليجية منها ساعدت العراق اقتصاديا أثناء حربه ضد إيران من خلال منح القروض والتسهيلات المالية له وذلك لوقف مد تصدير ثورة الخميني الطائفية عند حدوده قبل أن يمتد الأخطبوط الصفوي إلى عقر ديارهم لأن الخميني في ذلك الوقت كان يهدد بتصدير الثورة الإيرانية إلى منطقة الخليج العربي من خلال تحريض الشيعة العرب القاطنين في شرق شبه الجزيرة العربية والكويت على الثورة والعصيان. نظام خميني لم يتوقف عن نشر أفكاره الصفوية على الرغم من استمرار الحرب الضروس مع العراق حيث أن نفوذ الأحزاب الشيعية الصفوية الموالية له أخذ يزداد في العقد الثامن من القرن الماضي في سوريا والجنوب اللبناني والمغرب العربي وحتى في أواسط القارة الأفريقية في نيجيريا.
بعد انتهاء "حرب الخليج الثانية" وخروج العراق من الكويت عام 1991 أخذ النفوذ الشيعي الصفوي الموالي لإيران يستعيد نشاطه بصورة سرية في العراق ودول الخليج العربي واليمن وسيطر سيطرة تامة على الجنوب اللبناني من خلال فعالية حزب أمل وحزب الله اللبنانيين وبمساعدة نظام حافظ أسد. هذا النفوذ أخذ بالازدياد خصوصا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 الذي ساهمت فيه إيران مساهمة فعالة وكما اعترف به العديد من كبار المسؤولين في الحكومة الإيرانية وعلى رأسهم علي أبطحي الذي كان نائب رئيس الجمهورية في عهد الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي. قادة وكوادر الأحزاب الشيعية الصفوية الموالية لإيران التي كانت تعيش في إيران وسوريا دخلت مع الاحتلال إلى العراق وسيطرت بعد ذلك مع الأحزاب الكردية العميلة على زمام الحكم بمساعدة إدارة الاحتلال والمرجعية الشيعية في العراق المتواطئة مع قوات الاحتلال من خلال إصدار الفتاوي الدينية التي منعت شيعة العراق العرب من التصدي لتلك القوات. عناصر وكوادر الأحزاب الشيعية الصفوية وعناصر البيشمركة الكردية عاثت في أرض العراق فسادا وقامت بأبشع الجرائم - بحق وطنيي وأشراف العراق - التي يدمى لها جبين الإنسانية وبموافقة قوات الاحتلال وقامت بتدمير البنى التحتية للعراق ونهبت أمواله وخيراته النفطية وكذلك قامت بتأجيج الصراعات الطائفية والنزاعات القومية العنصرية الشوفينية فيه. قيادات الأحزاب الشيعية والأحزاب الكردية تسعى إلى تقسيم العراق إلى ثلاث أقسام حسب الخطط الصهيو-أمريكية لإضعاف العراق وإبعاده عن محيطه العربي.
إيران أيضا أججت الصراع الطائفي في اليمن من خلال تحريك المتمردين الحوثيين الشيعة الموالين لها في محافظة صعدة اليمنية وتزويدهم بالمال والسلاح من أجل السيطرة على اليمن وتوسيع رقعة النفوذ الإيراني الصفوي في منطقة البحر الأحمر والسيطرة على منطقة باب المندب. التمرد الحوثي توسع الآن ووصل إلى مناطق الحدود الشمالية لليمن المتاخمة للحدود السعودية ذات الطبيعة الجبلية حيث أن تلك المناطق تعيش الآن أحداث دامية وحرب مفتوحة بين القوات السعودية وعناصر التمرد الحوثي الذين يحاولون التسلل داخل الأراضي السعودية. النفوذ الإيراني وكما ذكرنا أعلاه نفوذ قوي في جنوب لبنان من خلال حزب حركة أمل وحزب الله وكذلك لإيران نفوذ في قطاع غزة من خلال تقديم الدعم السياسي والمعونات المالية لحركة حماس الفلسطينية المسيطرة على ذلك القطاع. كذلك لإيران خلايا شيعية صفوية نائمة في الأردن وفي مصر وفي جميع دول المغرب العربي.
الأحداث الطائفية الدامية التي حصلت في العراق بعد الاحتلال وفي لبنان عام 2006 والتمرد الحوثي المسلح المستمر الآن في اليمن وفي المناطق الجنوبية للسعودية، إضافة إلى الأحداث التي تحصل في الصومال وفي منطقة دارفور وجنوب السودان غايتها الأساسية خلق حالة الفوضى وعدم الاستقرار في الأراضي العربية من أجل تقسيم وتفتيت وتشرذم الأقطار العربية وهدر المال العربي وإشغال الشعب العربي بأمور معقدة كي يغض الطرف عن التفكير بأموره المستقبلية.
التسميات
عرب