تعويد الرسول (ص) أصحابه على المناقشة والمراجعة.. تربية ملكة التفكير والإبداع لدى المتعلمين وتعويدهم على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص



تروي لنا هذا المنهج عنه صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقد كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حوسب عذب" قالت عائشة: فقلت: أو ليس يقول الله تعالى: [فسوف يحاسب حساباً يسيرا]؟ قالت: فقال: "إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يهلك" (رواه البخاري (103) ومسلم (2876). وانظر أساسيات في طرق التدريس العامة. لمحب الدين أبو صالح). والقضية ليست سلوكاً ذاتياً لعائشة رضي الله عنها -وإن كان ذاك محل تقدير واحترام- بل هو مما تعلمته واعتادته من المعلم الأول صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذه الجولة مع هدي المعلم الأول في العناية بتعليم المنهج العلمي نشعر أن تساؤلاً يفرض نفسه، ويقفز إلى أذهاننا: هل نحن نعنى بتعليم طلابنا وتهيئتهم ليكونوا أهل علم يستنبطون ويبدعون ويبتكرون؟ أم أننا نربيهم على تلقي أقوال أساتذتهم بالتسليم دون مراجعة وربما دون فهم لمضمون القول؟
هل نرى أن من أهدافنا في التعليم أن نربي ملكة التفكير والإبداع لدى طلابنا، وأن نعودهم على استنباط الأحكام الشرعية من النصوص، وعلى الجمع بين ما يبدو متعارضاً؟
وهل من أهدافنا تربيتهم على تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع التي يرونها؟
إن المتأمل في واقع التعليم الذي نقدمه لأبنائنا يلحظ أننا كثيراً ما نستطرد في السرد العلمي المجرد، ونشعر بارتياح أكثر حين نقدم للطالب كمًّا هائلاً من المعلومات، والطالب هو الآخر يقيس مدى النجاح والإنجاز بقدر ما يسطره مما يسمعه من أستاذه، والتقويم والامتحان إنما هو على أساس ما حفظه الطالب من معلومات، واستطاع استدعاء ذلك وتذكره.
وشيء من ذلك حق، لكن توجيه الجهد لهذا النوع وهذا النمط من التعليم لا يعدو أن يخرج جيلاً يحفظ المسائل والمعارف - ثم ينساها بعد ذلك - أو يكون ظلاً لأستاذه وشيخه.
ولأن تعلم الجائع صيد السمك خير من أن تعطيه ألف سمكة.
وحتى دروس المساجد وحلق العلم ليست بأحسن حظاًّ، ولا أفضل حالاً.
إن هذا يدعونا لمراجعة هادئة، مراجعة تتضمن أهدافنا وحجمها وأولوياتها، وتتضمن طرق التعليم والتدريس ووسائله وأساليبه.
والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس قاصراً على مسائل الطهارة والذكر والصلاة - وإن كانت من أولى ما يدخل في ذلك-بل هو معنى أشمل يظلل برواقه جوانب الحياة المختلفة، فيطبعها بهديه وسنته صلى الله عليه وسلم.