ربما بات شيئا لا يمكن السكوت عنه ولا حتى للمدافعين عن إيران المجاملة بشأنه أو المراوغة عندما يتعلق الأمر بطمأنة الآخرين إلى نيات الحكام الإيرانيين حيال العراق أو العرب عموما، ذلك هو مطلبهم الأخير بضم خور العمية العراقي إلى جغرافية بلادهم، فالأمر لم يعد شائعات ولا تقولات عدائية ضد السلطات الإيرانية كما يصفها أصدقاء إيران في السابق، بل أصبحت موضوعا واقعيا ومطلبا يؤكد الطموح الإيراني الخطر إلى التمدد داخل الأراضي العربية من جهة العراق الجنوبية تنفيذا لطموحات فارسية قديمة ثابتة لا تقف عند طموح حاكم ليبرالي أو نظام ملالي أو غير ذلك بقدر ما يعني طموحا راسخا في الذهنية الفارسية قديما وحديثا، غير آبه لعلاقات حسن الجوار ولا للمواثيق الدولية التي تمنع الدول من التجاوز والاستيلاء على حقوق الدول الأخرى، فإيران حذرت العراقيين مؤخرا بعدم استخدام ميناء خور العمية كونه جزءا من المياه الإقليمية الإيرانية على حد رأيها، وهي بهذا تريد أن تقطع أي علاقة للعراق بإطلالته المهمة على الخليج العربي وتحرم العراق من حركة الملاحة التجارية مع العالم عبر المياه، فالموقع الاستراتيجي للخور يجعل هذه الدولة المجاورة للعراق تطمع فيه مستغلة ظروف انشغاله بتداعيات الاحتلال الأجنبي أولاً ومستفيدة من وجود حكومة ضعيفة وأحزاب تكن بالولاء والطاعة لها ثانياً حتى أن الكثير من المحللين والمتابعين ذهبوا إلى أن الخلافات السياسية والأمنية التي تعصف بالعراق هي جزء من مخطط إيراني يستهدف أن يبقى العراق بلدا ضعيفا وممزقا كما هي السياسة الأمريكية في العصر الأوبامي التي أضحت سياسة فاشلة وحيرى ومتخبطة لا تعرف ما تريد ولا كيف تتصرف، وتبغي حكومة طهران من وراء ذلك كله محو أي صلة للخليج بتراثه العربي وتحقيق الهدف الجوهري بتفريس هوية الخليج.
ولتسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية لمنطقة خور العمية فهي تقع غرب قضاء شط العرب وهي المنطقة التي يلتقي فيها نهرا دجلة والفرات عند حدود مدينة القرنة وتمتد نحو 180 كلم حتى مياه الخليج العربي، ويبعد هذا الخور سبعة كيلومترات عن ميناء البصرة، ويعد أهم المناطق التي تربط العراق بمياه الخليج العربي ويعج بناقلات النفط العالمية عبر تاريخ طويل وكل قطرة ماء فيه وذرة تراب تنشد "أنا عربي أنا عربي".
إن حكام طهران بعد ما ساعدوا الولايات المتحدة والغرب على احتلال العراق وتدمير مؤسساته والتنسيق والمشاركة مع الغرب في إنشاء نموذج عراقي جديد كانوا أول ما يبغونه التلاعب بجغرافية هذا البلد وسلب ما يريدونه لكنهم تناسوا أو نسوا نظرية "ثوابت الجغرافية ومتغيرات التاريخ".
أما ما يخص اتفاقية الجزائر التي أبرمت بين العراق وإيران في 6 مارس 1975 فلم تنص على أن خور العمية ضمن الأراضي الإيرانية، ولما مارسوا التزوير من جانبهم مستغلين سرقة جميع وثائق الدولة العراقية عقب زلزال الغزو والاحتلال في 2003 فأن مقر الأمم المتحدة لم يطله الاحتلال الأمريكي ولم تطله أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 ونضيف لهم أن دول الجوار العراقي من العرب لديهم نسخة من الاتفاقية، والجزائر أيضا لديها النسخة ذاتها لكونها البلد المعني بالتوسط لحل الخلاف بين إيران والعراق، لذا فالمطلب الإيراني غير قانوني لأن خور العمية بعيد عن حدود إيران الإقليمية.
وللإجابة عن الخلط الذي تراوغ في فلكه الحكومة الإيرانية في الوقت الحاضر فأن اتفاقية الجزائر حددت الحدود البرية والبحرية بين الدولتين، مع أن الوثائق الدولية تشير إلى أن العراق تنازل وفقا للاتفاقية عن بعض الأراضي، ونقل الحدود البحرية مع إيران من منتصف شط العرب إلى ما يسمى "خط الثالوك"، ثم صححت الحكومة العراقية ذلك الخطأ عام 1980 عندما جاء حكم الملالي لحكم إيران.
وبأي حال من الأحوال لا يمكن أن نعزو أسباب هذا المطلب الإيراني الأخير إلى أنه متعلق بسوء فهم لاتفاقية 1975، بقدر ما هو فهم ينطلق من مشروع فارسي توسعي في الأراضي العربية إجمالا بدليل أن الأحواز التي هي الآن ضمن جغرافية إيران ألم تكن عربية (عراقية)؟ والدليل أن توتر الأوضاع فيها ينبعث من رفض سكانها العرب للاحتلال الفارسي الذي حصل عام 1925 ويحاولون اللحاق بعالمهم العربي حفاظا على عروبتهم وتراثهم وتاريخهم العربيين وهوية أجيالهم القادمة.
والأمر الثاني لأطماع هذه الدولة في الجزر العربية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، التي احتلت من الإمارات العربية المتحدة عام 1971 في زمن الشاه، ولا نريد أن نخوض في تفاصيل ما تفعله هذه الدولة المجاورة من التدخل في الشأن العراقي على مدى سبع سنوات لكننا نذكر فقط مطالبها بحقول نفط العراق الجنوبية وقضم الكثير من شط العرب على حساب حصة العراق السيادية فيه، وكذلك في قطع المياه عن شط العرب بعد تغيير مجرى نهري الكارون والكرخة والإبقاء على رمي فضلات مصفاة عبدان لإحداث التلوث البيئي والضغط على سكان المنطقة الجنوبية وإلحاق الأذى بهم.
وكما تقول المنظمات الزراعية والبيئية المختصة أن المنطقة سيلحق بها مستقبلا تلوث وجفاف مدقعان ينذران بكارثة إنسانية سيكون الإنسان والزراعة أبرز أهدافها وسيدفع ذلك بسكان المنطقة الجنوبية من العراق وخاصة منطقة السيبة وما يجاورها إلى النزوح باتجاه مناطق الوسط بسبب سياسة الحصار المائي والتلوث البيئي المقصودة من قبل إيران.
وفي حين تؤشر هذه المخاطر والتحديات، فأن "مسؤولا عراقيا رفيعا" يهدد بسلاح فتاك في مواجهة الخطر الفارسي بقوله "سنحارب إيران بديمقراطيتنا".!!!
فاضل البدراني
التسميات
عرب