الوجه الجديد للعالم.. التفوق العسكري لن يفسر أو يترجم بالغزو الإقليمي ووسائل الإعلام أصبحت تعد فاعلاً استراتيجياً من الدرجة الأولى

ما الصفات أو المميزات الجيوساسية الرئيسة، في مطلع هذا القرن الحادي والعشرين، على كوكبنا الأرضي، بعد الاعتداءات التي حدثت بتاريخ الحادي عشر من أيلول عام (2001)، وبعد الحرب أو الغزو الذي شن على أفغانستان باسم الحرب ضد القاعدة ونظام الطالبان، ثم الحرب على العراق واحتلاله وزعزعته، ونشر الفوضى في أرجائه، ويحقق الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة فيه؟.
فالولايات المتحدة، تحاول الهيمنة على العالم، بشكل لم تقم به أية امبراطورية في تاريخ البشرية، من قبل، مطلقاً، فهي تمارس سيطرة ساحقة في المجالات التقليدية الخمسة التي ترمز إلى القوة السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية، والتكنولوجية."فالولايات المتحدة، هي إذن الدولة العالمية الأولى (PROTOMONDIAL) ـ كما يعتقد أحد المحللين السياسيين الأمريكيين. فلها القدرة على أن تدعي لنفسها أنها تقوم بدور الإمبراطورية الشمولية (إمبراطورية ذاتية) بحيث يخضع الأعضاء الآخرون في العالم لسلطتها وسيطرتها بصورة إرادية".
فللمرة الأولى في تاريخ البشرية، إذن، يسيطر على هذا العالم قوة وحيدة فائقة تباهي وتفاخر بإمبرياليتها ، بعد احتلالها أفغانستان، ثم العراق، ثم... بعد أن خطت خطوات أخرى أعمق أثراً في تفردها في معالجة الشؤون الدولية عندما قررت تدمير بغداد بقصف متواصل، ثم احتلالها عسكرياً، وهي تجول وتصول، وتهدد وتتوعد، تخرب وتدمر، ولا من رادع يردعها، وما من أحد يستطيع أن يقف في وجهها البشع.
فقد هيمنت على أفغانستان باستخدام طرق ثلاث: سحقها تحت القنابل، الموجهة وغير الموجهة، ومن الأوزان الثقيلة، وغير الثقيلة،.....إلخ. ودامت عملياتها أياماً عديدة، بحجة القضاء على القاعدة، وهي لا تفرق بين حفلات الأعراس والمحتفلين بها، أو بين مقاتلين، أو بين أطفال ومدافعين، وتقتل الأسرى والمعتقلين، وتنقلهم أنّى تشاء، وكيف تشاء، ولا تعترف بحقوق الإنسان، من أي نوع كان.
كذلك. فقد أ قامت واشنطن تحالفاً دبلوماسياً وحتى عسكرياً كبيراً لدعم أعمالها بالانتقام من شعب أفغانستان، حتى من قبل روسيا والصين. أما في موضوع العراق، فإنها لم تعبأ بما يسمى المنظمات الدولية، مثل مجلس الأمن، لدرجة أن وجهت التهديد والوعيد، لمن يقف في وجهها، ويحاول نصحها، ولو بالكلام اللطيف، فحشدت الجيوش والأساطيل، وأخذت تشن حرباً إعلامية مسعورة تحضيراً لعدوانها، وتبارى قادتها صغيرهم وكبيرهم، بالتحضير لذلك العدوان. وخطت خطوات واسعة نحو التفرد في شؤون العالم لوحدها، وقد تستند قليلاً على حليفها خليفة ا لاستعمار القديم والجديد، العجوز، المملكة المتحدة، أو بريطانيا العظمى ، كما تحب أن تسمى،  كما لم تعبأ الولايات المتحدة بالرأي العام الذي يعارض قهر الشعوب، وتحقيق المطامع. الاستراتيجية والنفطية، لقد كان المتظاهرون بالملايين، يهتفون، لا، للحروب والدمار والقتل، يجولون شوارع المدن الكبرى، في كل مكان من العالم.
وهكذا خطت الولايات المتحدة، بل سارت بعيداً، وإلى أقصى درجة، بتجاوز مرجعية المنظمات الدولية. وتبارز زعماء النظام الحاكم في الولايات المتحدة  الأمريكية بالتصريحات الملتهبة، يهددون ويتوعدون، كل من يقف في وجه طموحاتهم واستراتيجياتهم المعلنة وغير المعلنة، وباستخدام عبارات ينأى أحياناً أولاد الشوارع عن استخدامها، تصريحات تتوالى، ليل نهار، دون انقطاع، وتبادل الأدوار، في الوقت نفسه القيام بتحريك الجيوش، مستقلة، أم مشتركة، من قوات بريطانية أو ما شابه، كقوات تابعة، وليست حليفة، تقرباً وتودداً من حكام الولايات المتحدة، وكانت تلك القوات تتصف بالعجرفة والغرور، منذ زمن ليس ببعيد. في الوقت نفسه، نأت عن بعض حلفائها، مع توجيه النقد اللاذع، لقادتهم، باعتبارهم مزعجين، علماً أن هؤلاء لم يقوموا، سوى بالتذكير بأن هناك أعرافاً وقوانين دولية، وليست شريعة الغاب، هي التي تسود العلاقات الدولية.
مع ذلك، لابد من القول، إن مثل هذا العرض للقوة الغاشمة في هذا العصر الجديد، من الأوهام السيطرة عليها سواء في المجال العسكري أم الدبلوماسي. وحذر من يفهم التاريخ، أن الولايات المتحدة لن تستطيع مواجهة الاستمرار في احتلالها أفغانستان والعراق، و... على الرغم من تفوقها الساحق. لأنها لن تستطيع قهر الشعوب طويلاً، خصوصاً إذا صممت هذه الشعوب على دحر العدوان.
مع ذلك، فحكام الولايات المتحدة، لا يعبؤون بالتاريخ، وتناسوا أن ما حدث  لهم في فيتنام. أو ... في الواقع العسكري، "وكما حاولت إنجلترا أن تفعله في القرن التاسع عشر بالنسبة لأفغانستان، ومن العقود الأولى، من القرن العشرين، في العراق"، في حين أن ذلك الأمر، لم يكن يشكل أية عقبة تكنولوجية، إذ تملك الولايات المتحدة، جميع أنواع الأسلحة، من تلك الموصوفة بأسلحة الدمار الشامل، وقد استخدمتها، أكثر من مرة، أو تلك الأسلحة الأحدث والأكثر قدرة على التدمير والقتل. لكن لماذا نعتقد بذلك؟
والجواب، إن التفوق العسكري لن يفسر أو يترجم بالغزو الإقليمي،كما حدث في القرن التاسع عشر، وخلال النصف الأول من القرن العشرين، بحيث أصبحت تلك الأعمال تُعدّ تدخلاً في شؤون الغير، سياسياً، ومكلفة مالياً. وغير ممكنة أمام إرادة المقاومة، وكارثية على المستوى الإعلامي، حيث تأكد أن وسائل الإعلام أصبحت تعد فاعلاً استراتيجياً من الدرجة الأولى.
موسى الزعبي

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال