حرب خط أنابيب النفط "الرهان الكبير الجديد".. المجابهة الروسية ـ الأمريكية من أجل السيطرة على قلب القارة الأوراسية

لقد تميز النصف الثاني من القرن التاسع عشر. بتعبير "اللعنة الكبرى" الناتجة عن الصراعات الدبلوماسية البريطانية ـ الروسية، بشأن أفغانستان والنفط في (ذلك ا لوقت) الآتي من آسيا الوسطى وبحر قزوين، واليوم، أصبح بحر قزوين، ومن جديد، رهاناً نفطياً وغازياً، وأقنية لنقل ذلك، نحو الأسواق الغربية والآسيوية. ويوضح فرانسوا تويال: "ما من نظام في روسيا، إلا ويتمنى طرد هذا الحضور، إلى أبعد ما يمكن، وذلك بالاعتماد على حلفائها في الباكستان وتركيا... إلخ، وآسيا الوسطى، ترى أن هناك توسعاً في (لعبة كبيرة) بين القوتين العظميين القديمتين، منذ زمن الحرب الباردة (...) إنها المجابهة الروسية ـ الأمريكية من أجل السيطرة على قلب القارة الأوراسية". 
فمن سيصدر مليارات الأطنان من النفط المستخرج من بحر قزوين، إلى الغرب، والذي تتصارع القوى المتخاصمة من أجله؟ ذلك هو الموضوع الأساس، بشأن "اللعبة الكبرى" الجديدة. ثم، لماذا، أقامت حكومة الولايات المتحدة مجموعة عمل وزارية، داخلية، مخصصة لدراسة مصادر الطاقة من بحر قزوين، في هذه السنين الأخيرة؟ وتجتمع مجموعة العمل هذه بصورة منتظمة ويرأسها عنصر من مجلس الأمن القومي (NSA) NATIONAL SECURITY CONCIL ـ المنظمة رفيعة المستوى، فيما يتعلق بشؤون السياسة الخارجية والأمن للولايات المتحدة. وهي تجتمع من أجل تحقيق دراسات للأسواق، خصوصاً، إقامة استراتيجية حقيقية بشأن الحرب الاقتصادية حول النفط". وحسب تقديرات هذه المجموعة، فإن احتياطات المواد النفطية من بحر قزوين ـ "الخليج العربي ـ الفارسي، الثاني" ستكون، الخزان العالمي الثالث تماماً بعد الشرق الأوسط "6000 مليار برميل، أي 35% من مخزونات الكرة الأرضية" وسيبريا. وتحتوي منطقة بحر قزوين على احتياطات تقدر بـ (178ـ 200) مليار برميل من النفط [88 مليار طن، 16% من الاحتياطات العالمية، ومن (1000 إلى 7340) مليار متر مكعب من الغاز، حسب الاختصاصيين في الولايات المتحدة.
وقد وطدت واشنطن علاقاتها مع سبع جمهوريات سوفياتية سابقة: (أذربايجان، جورجيا، كازاخستان، قرخستان، طاجكستان، تركمانستان، أوزبكستان)، بشكل هام، هذه السنوات الأخيرة، بسبب رغبتها بكسر العزلة على الصعيد الاقتصادي، عن الثروات الآسيوية، الوسطى، وإعادة النشاط إلى (طريق الحرير)، مع إبعاد روسيا.
فأقامت معظم تلك الدول، شراكة مع منظمة حلف شمالي الأطلسي باسم " الشركة من أجل السلام"، وهل وقعت هذه الدولة المنتجة للنفط، من هذه البلدان، اتفاقيات استثمار وبحث ورسم قنوات متاجرة مع شركات من الولايات المتحدة؟ في كازاخستان تقدر الاحتياطات النفطية بأكثر من (5) مليار طن. وقد أنشأت من أجل ذلك الولايات المتحدة فيها شركة تيكساكابنك (TEXAKABANK) (أي بنك تكساس وكازاخستان). أما شركاتها النفطية فهي: "شفرون وأونيكال،
(UNOCAL)، وتبعتها توتال، وبرتش غاز" ومن المقدر أنها ستستغل حقول النفط في بحر قزوين، وفي إدارة أنابيب النفط تنغيز (TENGUIZ) ـ نوفوروسيسك. وتترسخ شركات الولايات المتحدة في تاتارستان، وفي تركمانستان، وفي أذربايجان، حيث توجد أيضاً احتياطات هامة من المشتقات النفطية (الهايدروكاربور). وتصل العقود النفطية الموقعة منذ عام (1994) إلى ما قيمته (30) مليار دولار بالنسبة لأذربايجان وحدها. وتعتبر الأوزبكستان المنتج الثاني للغاز من بين دول مجموعة الدول المستقلة، بعد روسيا منذ عام
(1994)، مع حجم استخراج سنوي يصل إلى (50) مليار متر مكعب. وتتوقع أيضاً شركة إكساكسون (EXAXON) للنفط والغاز، استثمار مليار دولار في مشروع مشترك لمدة ثلاثين عاماً، مع شركة أوزبكية، هي أوزبكنفطغاز
(OUZBEKNEFTGAZ). وتنظم تكساكو، على نحو موازٍ، تصنيعاً مشتركاً للزيوت، وتساهم موبيل ودلتا وأونيكال في استثمار طاقة قوى في أوزبك، بفضل استثمارات مباشرة، وأعمال تحديث للبنيات القائمة. والولايات المتحدة هي المستثمر الأول في أوزباكستان اليوم، مع إجمالي سنوي يصل إلى  ملياري دولار، يحقن في الاقتصاد منذ عام (1995). وتلعب الحكومة الأوزبكية، دور أفضل تلميذ مقرب من روسيا من بين دول مجموعة الدول المستقلة حتى قبل عام (1993). أما الآن فهي تلعب بورقة توسيع منظمة حلف شمالي الأطلسي في آسيا الوسطى. كما أن تركمستان التي تجذب انتباه الشركات النفطية الدولية أيضاً ـ أوتوكالن دلتا أويل، موبيل، مونيمان، بريداس، بتروناس، نيوك ـ وهي مرتبطة بمشروعات مختلفة في مجال أنابيب النفط، ونقل النفط التركماني نحو الباكستان والهند. ويقدر احتياط النفط فيها بما يقارب الـ (6 مليار برميل مع كاراكيوم). أخيراً، يواجه رهان النفط الأوراسي، لكونه عالمياً، مشروعات يابانية وصينية. كما يواجه بناء "جسر أرضي أوراسي" يربط الموانئ الغربية مع شمالي الصين، ثم طوكيو. وهناك دراسات لقابلية عمل شبكة من خطوط النفط الجديدة، تَلْتَفُّ حول الأراضي الروسية، وهي موضع دراسة، خصوصاً "مشروع القرن" بكلفة (22) مليار دولار، والذي ستشارك فيه اليابان "متسوبيشي" والصين "ناشيونال بتروليوم كوربوريشن أي الهيئة الوطنية للنفط"، ومن الولايات المتحدة "فرع من تكساكو" من أجل مد خط أنابيب للغاز بطول (8000) كيلو متر، يخصص لنقل الغاز التركماني، إلى اليابان حيث ستتضاعف الحاجات الصناعية اليابانية إلى الغاز، من الآن وحتى عام
(2010). وستستقبل مرور غاز كازاخستان وأوزبكستان، وحوض ناريم في الصين، في المنطقة المسلمة من كسينغيانغ. يضاف إلى ذلك كما يقدر الخبراء، أن سيبريا التي تحتوي على ثروات معدنية كبيرة، هي تحت الاستغلال حاليّاً، وتشكل منطقة ستصبح ذات أهمية استراتيجية واقتصادية أساسية خلال عدة سنوات.
وكانت إدارة كلنتون، عندما كان رئيساً للولايات المتحدة، تبذل جهوداً جبارة من أجل إقامة مشروع طموح بالنسبة لأوراسيا، وذلك حسب معلومات نشرتها وكالة المعلومات التابعة للولايات المتحدة (U. S. I. A)
(U. S. INEORMATION AGENCY) ويتضمن المشروع مبادرة تتعلق بحوض بحر قزوين، تستهدف تطوير البنية التحتية في المنطقة الآسيوية الوسطى، حول بحر قزوين. فقد عَدَّدَ المستشار الخاص للرئيس كلنتون، المتخصص بدبلوماسية الطاقة في بحر قزوين، والمدعو رتشارد مورنينغستار RICHARD MORNINGSTAR، الأهداف الأربعة الرئيسة التي تلاحقها، واشنطن في هذه المنطقة من العالم، وذلك في خطاب أُلقي أمام جمعية كامبردج لوكالة البحوث (CAMBRIDGE ENERGY RESEARCH ASSOCIATION) (CERA)، بتاريخ (17 كانون الأول عام 1998، وهذه الأهداف هي:
1ـ تعزيز استقلال الدول الجديدة في آسيا الوسطى.
2ـ دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية فيها.
3ـ تكثيف الروابط الاقتصادية بين هذه البلدان، التي لم يتم التعاون فيما بينها في الماضي مطلقاً، على الرغم من الروابط الثقافية، بهدف خفض احتمال نشوب نزاعات إقليمية.
4ـ ضمان استغلال المصادر الخاصة بالطاقة، في هذه الأوضاع، لمصلحة الولايات المتحدة. وهذه أهداف رئيسة حسب مورنينغستار لأن المشتقات النفطية التي ستنتج عنها ستمكنها من ربح الأسواق الدولية دونما عقبات تذكر.
يضاف إلى ذلك، حسب مستشار الرئيس كلنتون، أنه من الضروري التفكير في أنه ما من دولة مشاركة، تستطيع أن تشكل احتكاراً وطنياً قابلاً لأن يتعارض مع شركات الولايات المتحدة، القائمة، من أجل ضمان تمكين مشروعات واشنطن من زيادة نشاطاتها. ويعتقد رئيس تحرير وكالة المعلومات التابعة للولايات المتحدة، المدعو فيليب كوراتا PHILIP KURATA، مثله مثل برززنسكي، تماماً، بأن إنشاء خط أنابيب (شرق ـ غرب)، ينطلق من الحقول (الهدروكاربورية) في القوقاز وآسيا الوسطى، لينتهي في تركيا، هو العنصر الأساس في استراتيجية الولايات المتحدة في أوراسيا، وفي بحر قزوين، فقد، صمم استراتجيو الولايات المتحدة، وكذلك شركاتها، مشروعاً طموحاً سمي بـ "الممر الأوراسي للنقل" في هذه الظروف، ومنذ عدة سنوات، يشتمل على نظام كامل من الأنابيب، المنطلقة من آسيا الوسطى، حتى البحر الأبيض المتوسط في سيهان CEYHAN، مروراً بالقوقاز، ثم أذربايجان ويشكل بهذا، مركزاً عصبياً في (لعبة كبرى) نفطية في القرن الحادي والعشرين. وستواجه واشنطن "بناء خط أنابيب رئيس للتصدير"، وذلك كرد على القلق تجاه فعالية ذلك المشروع الذي سيكون قادراً على الانطلاق من آسيا الوسطى حتى الأسواق الغربية عن طريق تركيا، وحقول أذربايجان النفطية في القوقاز، وآسيا الوسطى. وبهذا الصدد ستكون أذربايجان البلد الرئيس "المحوري" في استراتيجية الولايات المتحدة الجيواقتصادية، لأنها نقطة العبور الإجبارية لخطوط نقل النفط الرئيسة التي يجري بناؤها. وإنه يتضمن، من جهة أخرى، حقولاً نفطية عديدة، حول شبه جزيرة أبشرون (APCHERON)، نقطة الانطلاق لخطين من أنابيب النفط نحو البحر الأسود، مكان وصول النفط والغاز التركماني. وقد وقع الرئيس الآذري حيدر عالييف، بروتوكولاً لاتفاقيات نفطية مع الرئيس كلنتون، في آب (1997)، إذ قام عالييف بزيارة رسمية لواشنطن، ووقع مع أصحاب شركة آموكو (AMOCO) تلك الاتفاقيات. وقررت الولايات المتحدة عندئذٍ، أن تكون القوقاز "منطقة مصالح استراتيجية للولايات المتحدة". وجرت دراسة مشروعات خطط الأنبوبين للنفط المخصصين لنقل نفط بحر قزوين: أحدهما في الجنوب: باكو ـ تبليسي ـ سيهان، وهو في وضع الاستعداد لبدء العمل فيه. أما الثاني ففي الشمال: باكو ـ غروزني ـ نوفوروسيسك، فقد آثرت الولايات المتحدة إتمام العمل في الجنوب على أنه الأقل مردوداً، من الكل. وتقترح بعض البلدان العربية خطاً ثالثاً، إذ دفعت الرياض والكويت، اللتان لا تنظران بعيون راخية إلى هذه المنافسة النفطية مع بحر قزوين، دفعتا منظمة الدول المصدرة للنفط
(OPEC) للعمل على رفع حصص الإنتاج بمقدار (10%) من أجل العمل على هبوط الأسعار، وجعل خط أنابيب الجنوب خاسراً. وعلى نحو موازٍ، سيقوم الخَطّاب، الزعيم الإسلامي "الأردني ـ الشيشاني"، وهو على صلة بالعربية السعودية، فهو يحمل جنسيتها أيضاً، سيقوم بغارات على البويناكسك BOUЇNAKSK بهدف نقل الثورة (الإسلامية) إلى داغستان. ويوجه الثوار الإسلاميون الشيشانيون، ضربات جدية إلى خط الشمال، كما لو كان الأمر عفوياً. مع ذلك، يجب أن "يكلف" تحديث خط الأنابيب الروسي، الأكثر مردوداً، من أنبوب الجنوب، المدعوم من قبل أنقرة وباكو. فهو يكلف أقل من مليار دولار، كتكاليف تخصص للضخ، أي بمعدل (20ـ 25) دولاراً للطن الواحد. في حين يقدر لمشروع، باكو ـ تبليسي ـ سيهان كلفة مقدارها (2.71ـ 3.3) مليار دولار، وبكلفة ضخ من (42ـ 110) دولار للطن الواحد. وألحت الشركة النفطية الإنجليزية الساكسونية، من جانبها(36)، على واقع أن خط أنبوب الشمال، هو الأقل كلفة. من جانب آخر، لن تقبل واشنطن وباكو وأنقرة وتبليسي و(المقلقين) الإسلاميين الذين تدعمهم الرياض خدمة المصالح الروسية، التي يعتمد عليها، وذلك بالحراسة والسيطرة على طرق النفط. وقد أغلقت الشيشان أيضاً، من جانب واحد، سكور خط أنابيب الشمال، بتاريخ (30) آذار (1990)، بحجة أنه يتوجب على موسكو دفع (100) مليون روبل. ولم تعد إلى المفاوضات مع غروزني. بل شرعت موسكو بالعمل على نقل النفط بواسطة خط السكك الحديدية منذ تاريخ (7) تموز، من العام نفسه، مُجْتازة داغستان، وملتفة حول الشيشان، وذلك عن طريق شركة ترانسنفط TRANSNEFT المالكة لكل خطوط الأنابيب الروسية. ويعتقد أن بإمكانها بناء تحويلة باتجاه داغستان، وهذا ما يمكنها من (إنقاذ) خط أنابيب الشمال، عبر الشيشان وتأمينه، الذي كان في حالة غليان من قبل. ويدخل الثوار الوهابيون التابعون للخطاب وباساييف وهم المعارضون الإسلاميون للرئيس ماسخادوف، الذي تفاهم مع موسكو سابقاً، يدخلون في الواقع من جديد على مسرح المعركة من أجل الأنابيب في هذا الوقت، ويبدو أنهم يقاتلون ويوجهون، ويأتيهم الإيعاز بالعمل من قبل المخابرات السرية السعودية والولايات المتحدة، لخلق عدم الاستقرار في الداغستان، وذلك بالإعلان عن (الجمهورية الإسلامية)، وإبعاد الروس (غير المخلصين). فهل يوجد في رأس زعيم الحزب الشيشاني شامل باساييف خليفة السعودي خطاب؛ سؤال بشأن قطع طريق النفط في أذربايجان، وذلك بعد أن أطلقا غاراتهما في الداغستان؟ هذا ما تساءلت عنه صوفي شهاب. فهذه الغارات بدأت في الأول من آب، تماماً بعد أن نجحت الترانسنافت في تنظيم نقل هذا الخام عن طريق سكة الحديد". وعلى الدوام، هل وقعت الاضطرابات في زمن محدد، لأنه لم يعد باستطاعة موسكو العمل على تبديل رأي الشركات الأمريكية، وبصورة أقل، أنقرة وباكو، لتقرير هجر خط الشمال بشكل نهائي، على الرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة بهذا الشأن؟ وسيصبح اتفاق باكو ـ تبليس ـ أنقرة، موقعاً عندئذٍ على هامش قمة منظمة الأمن والتعاون الأوزي (OSCE) في اسطنبول في (18 و19) تشرين الأول، تحت رعاية كلنتون، وستعتبر واشنطن الحدث نصراً كبيراً، من أجل "معركة أنابيب النفط". جون وولف(JOHN WOLF)، المستشار الجديد للرئيس كلنتون لشؤون بحر قزوين، أثناء زيارته الأخيرة لأنقرة، اقترح أنه يجب أن يكون خط أنابيب باكو ـ سيهان مستخدماً من أجل تصدير الذهب الأسود المستخرج من بلاد أخرى في المنطقة، بصورة رئيسة من كازاخستان، التي صرح زعماؤها وعلى نحو موازٍ، بأنها تلتزم بتصدير جزء من نفطها عن طريق هذا الخط. في الوقت نفسه، وقعت البلدان القوقازية، والمحيطة ببحر قزوين على مشروع يتعلق بأنبوب غاز عبر بحر قزوين، أثناء قمة منظمة الأمن والتعاون الأوربي، بطول (2000) كيلو متر، وتقدر تكاليفه بـ (22) مليار دولار وهو يسمح لتركمنستان بتصدير غازها نحو تركيا. إنه مشروع، تنظر إليه موسكو في الوقت نفسه، بعين غير راضية تماماً. ويحجب هذا المشروع البعد الاستراتيجي المعادي لموسكو، على استحياء. وقد أطلق بيل كلنتون، آنذاك، صيحات كاذبة، بقوله: "سيساهم الاتفاق، بتعزيز الاستقلال الوطني لتركمنستان". وأضاف: "إن ا لاتفاقيات التي جرى توقيعها منذ وقت، هي في الواقع، تاريخية (...) وإن هذه الخطوط النفطية، ما هي إلا شرطة أمان، لضمان مرور مصادر الطاقة عبر طرق متعددة، ,ليس عن طريق مضيق ضيق". وهذا ما أطلقه أيضاً، وبوضوح أكثر صابر مراد نيازوف (SAPAR MOURAT NIAZOV) الرئيس التركماني.
لكن المستفيد الكبير الآخر من هذا النصر، هو تركيا، دون أدنى شك، التي سيمر عبر أراضيها خط أنابيب النفط الجديد الذي طَوَّر نشاطاً دبلوماسياً كثيفاً منذ عام (1997) لإقناع باكو، المستعجلة لإقناع موسكو، كي تقبل باختيار الطريق التركي، جورجيا وهو الطريق الوحيد القابل لكي يتوافق مع المصلحة التركية والأذرية والأمريكية، لأن استبعاد روسيا وإيران، من هذا الجزء من (طريق الحرير الجديد)، يؤدي إلى أن تضمن أنقرة التكاليف التي ستتجاوز التوقعات، والتي تصل إلى (2.4) مليار دولار، وذلك بإقناع الشركات النفطية الأنجلو ـ ساكسونية المهتمة، وهي (B. P) وآركو، و(EXXON) لدفع هذه التكاليف. ولقد أشار الرئيس التركي، آنذاك، سليمان ديميريل، الذي حضر إلى باكو، بعد عدة أيام، بمناسبة العيد الثامن لاستقلال أذربايجان. واستقبل بهتاف من الجماهير الآذرية، وهي تصرخ "ليعش قادة العالم التركي". وقد أشار علناً، عند تدشين المطار الآذري الجديد، في اللحظات نفسها، إلى البعد الاقتصادي والجيوسياسي لمشروع باكو ـ سيهان بقوله "إنه سيساهم في تنمية العالم التركي، وأذربايجان بطريقة رئيسة". لكن لن يتوقف دور تركيا هنا، لأن استراتيجية الولايات المتحدة "شاملة ومتكاملة" طبقاً لكلمة آرنو آرون أوبنسكي ARNAUD ARRON UPINSKI: بأن الولايات المتحدة، تقدر بأن تعهد لتركيا السيطرة العسكرية على أنابيب النفط والغاز، التي ستهددها غالباً في المستقبل، هزات تتعلق بالهوية والطائفية. وسيتوجب على تركيا عندئذٍ، أن تلعب الدور الأوراسي الأساس لصالح الولايات المتحدة، ولتكون حجر الزاوية في السنوات القادمة، في الجناح الجنوبي لمنظمة حلف شمالي الأطلسي. والأكثر خطراً أيضاً، من ذلك الدور الذي يعهد به إليها الذي تلعبه اليوم. وسيكون لدى تركيا نزعة لتنظيم البلدان الناطقة باللغة التركية في أوراسيا. من شمالي الصين، حتى الجمهوريات الإسلامية، في الاتحاد السوفياتي السابق وهي جمهوريات انفصلت عن الاتحاد الروسي وهي إما عاصية في الوقت الحاضر على موسكو، أو غير معلنة عن عصيانها، مثل الشيشان، باخورستان، أنقوشيا، كاباردينو، بالكاري، داغستان... إلخ". ويجري ذلك بالتعاون مع أذربايجان التي وضعت قاعدة جوية كانت أكثر شأناً بالنسبة للجيش الأحمر، قبل وقت قليل، في أوزباكستان، بالقرب من بحر قزوين، وضعتها تحت تصرف منظمة حلف شمالي الأطلسي. وأعلنت أنها تخلت عن الميثاق الذي كان يربطها بروسيا "في نطاق مجموعة الدول المستقلة"، وأصبحت تركيا، تمتلك بعد الآن، حدوداً داخلية وخارجية، محاذية لروسيا، باسم منظمة حلف شمالي الأطلسي، بفضل الروابط الإسلامية، مع الناطقين باللغة التركية يضاف إلى ذلك، لدى كل من أنقرة وواشنطن الوسائل لإعادة تنشيط التوترات العرقية، والوفرة من المجاهدين والقوميين المتطرفين الآخرين، العصاة، عن طريق الرياض، وإسلام آباد. ويمكن لهؤلاء العصاة الذين لهم القدرة على التحرك والتحريض، استخدام هذه الجماعات كأكباش فداء ضد روسيا، في كل مكان، في الحالة التي تبحث عن تعزيز المواقع التركية الأمريكية وفي استعادة (طريق الحرير الجديد) مجدداً من الأدرياتيك إلى الصين.
ويلاحظ أن دبلوماسية واشنطن، محددة بصورة أساسية منذ حرب الخليج، واحتلال العراق وتدميره بالأمور الاقتصادية النفطية، حسبما جاء على لسان مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة، المكلف بشؤون الشرق الأوسط، سابقاً، روبرت بلترو ROBERT PELLETREAU، أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس، عندما قال: "أفضليات الولايات المتحدة في المنطقة هي: التفاوض وتطوير اتفاقيات الأمن في منطقة الخليج العربي/ الفارسي، الهامز بالنسبة لرفاهنا الاقتصادي، وضمان الوصول إلى المشروعات الأمريكية في المنطقة، وتأمين الاستقرار، والوصول إلى الاحتياطات النفطية...).
إذن، تدخل السياسة الأوراسية للولايات المتحدة، ضمن "الاستراتيجية الشاملة" تماماً. وهنا يوجد أصل توجه السياسة الدولية للولايات المتحدة، التي هي (حربية النزعة)، أكثر فأكثر، وقهرية زجرية، فهي لا تتردد أبداً في أن تحل محل منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون الأوربي... إلخ"، بلا قيد أو شرط، وقد ازداد هذا التصرف وضوحاً وأصبح على المكشوف منذ الحرب على العراق واحتلاله. وكما جرى قبل ذلك في كوسوفو، مروراً بالقصف الجوي والغارات الأخرى، في مناطق أخرى، كما حدث في الصومال، وفي أفغانستان وفي السودان، وفي ليبيا... إلخ، وكلها تنتظم تحت ذريعة العمليات ضد الإرهاب أو المحافظة على السلام، وكأن السلام لا يتم إلا بالقتل والدمار والاحتلال، وإن إرهاب هذه الدولة المتوحشة، لا يعتبر إرهاباً، تمارسه ضد جميع الشعوب التي تحاول شق عصا الطاعة في مضمار الخضوع لرغبات تلك الدولة العظمى الولايات المتحدة الأمريكية. ولنستمع إلى روبرت دول، أحد الزعماء الجمهوريين، وهو يقول: "لقد كانت حرب الخليج رمزاً معبراً عن قلق الولايات المتحدة بالنسبة إلى الأمن الخاص المتعلق باحتياطات النفط والغاز، كما تتوجه أنظارنا نحو الشمال، لأمن مصالحنا في القوقاز والصرب والكازخستان"، ومن المعروف أن "دول" هو من أشد أنصار التدخلات الأمريكية المسلحة، خاصة في منطقة الخليج.
وفي الواقع لم تتوقف الغارات الأمريكية والبريطانية على العراق، منذ عام (1991)، مع حصار شديد طال كل مرافق الحياة، حتى المواد الخاصة بغذاء الأطفال. ويصر عليه المسؤولون الأمريكيون، على الرغم من أكثر من مليون طفل عراقي ماتوا بسبب الحظر الذي فرض على العراق، لأن الأمر يتعلق برهان استراتيجي أساسي بالنسبة إلى واشنطن، وهي استراتيجية، تنفذها مختلف الإدارات الأمريكية، جمهورية أم ديموقراطية، وتدخل في نطاق حرب حقيقية جيواقتصادية شاملة. إنه من الأمور الحيوية، بالنسبة للولايات المتحدة، تعزيز حضور شركاتها في كامل المناطق التي تحتوي على احتياطات نفطية معروفة وملائمة تقريباً، وهذا ما يتيح لها المحافظة على استقلال نسبي في مجال الطاقة الضرورية لهيمنتها الدولية، وكذلك الحال بالنسبة للمصادر النفطية الأمريكية التي تبلغ مرحلة النضوب تقريباً، خلال العقود القادمة. كذلك، عرقلة عملية التطوير الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والصناعي في الدول العربية ـ الإسلامية، خاصة تلك التي يمكن أن تسبب إزعاجاً للمصالح الأمريكية الأكثر في العالم، وكذلك لحلفائها السعوديين والكويتيين والأتراك وخاصة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. وإننا لنجد هنا الاستراتيجية المسماة "البطن الطري"، التي طورها "بيير ماري غالوا" تستهدف إظهار خشية الولايات المتحدة من تطور محتمل في الوطن العربي، خاصة، والعالم الثالث عامة، للوقوف في وجه الولايات المتحدة، ومقاومة هيمنتها، لهذا فإنها تدعم الأنظمة القابلة للمحافظة على تخلفها في كل مكان، وبالتالي اعتماد هذه الدول تجاه المزود والسيد الأمريكي ـ الغربي. ولهذا، أصبح العراق متخلفاً إلى الوراء خمسين عاماً، بعد سنين عديدة من الغارات الجوية، والحظر الاقتصادي، ومنعه من التطور، ثم احتلاله، وهو البلد العربي الوحيد الذي كان يسير في طريق التصنيع وعملية الدنْيَوة (SECULARISATION) والتحديث.
سابقاً، كان العراق، لا أدرياً، ومتشرب الأساليب الاشتراكية، لكنه اليوم، يبحث عن "صلاح الدين" جديد، ليحارب (الصليبية الغربية) الجديدة، المعادية للقضايا القومية العربية. كما نجد اليوم الكثيرين من المثقفين العرب يؤمنون بأن الأمريكيين خصوصاً والغربيين عموماً يحملون أحقاداً وضغائن للعالم العربي. لهذا، فهم، وكرد فعل، يعادون الولايات المتحدة، لا بل الحضارة الغربية عموماً. كذلك نجد النظام في العراق، يعمل على زيادة عدد الجوامع والمراكز الدينية مؤخراً، ويؤلب العرب عموماً بشدة على الولايات المتحدة، وحلفائها من الحكام العرب في المنطقة. يضاف إلى ذلك، أن الوضع الاجتماعي والطبي والاقتصادي قد أصبح كارثياً في العراق، ويشكل هذا الأمر عتلة رائعة للحقد المعادي للغرب، وبالتالي عملية إقرار شرعي بالحركات المعادية للولايات المتحدة في العالم العربي من قبل الجماهير الشعبية العربية ولقد حذر بعضهم من النتائج المرعبة لسيادة الإبادة التي تتبعها الولايات المتحدة وبريطانيا، ضد العراق، حيث تزايدت نسبة الوفيات بين الأطفال، خلال فترات الحظر والحصار، ثلاث مرات. وأشارت بعض الإحصاءات إلى أكثر من مليون ضحية بين الأطفال العراقيين، كما أشارت إلى تراجع مرعب في جميع الوسائل الصحية والطبية والاجتماعية، وخفض هائل في معدات المستشفيات، بسبب إجراءات الحظر، تلك الإجراءات المعقدة التي أدانتها المؤسسات والهيئات الدولية المتخصصة والتي كانت الولايات المتحدة تصر على فرضها على اللجان المختصة بتلك الأمور، خاصة على تلك المكلفة بالإشراف في نطاق ما يسمى ببرنامج الغذاء مقابل النفط، والذي يخالف جميع الأعراف والقوانين الدولية، هذا، عدا القصف الجوي المتكرر يومياً على مناطق مختلفة من العراق، تحت ذرائع مختلفة، ضمن خطة تستهدف عملية إنهاك وإبادة للشعب العراقي. ومن المعروف أن معظم من بيدهم الأمر، على رأس تلك اللجان المشرفة على عمليات الحظر، هم من تابعية وكالة المخابرات المركزية (CIA) أو من المخابرات البريطانية أو من الدول التابعة لهما. وقد تم الكشف عن الكثير من تجاوزات تلك اللجان، كما جرى الكشف عن أعمال تجسس يقوم بها أعضاء بعض تلك اللجان، على الرغم من أنه وصل الأمر ببعض المسؤولين عن برامج التفتيش وغير ذلك من اللجان الإنسانية أن احتجت باستمرار وعلناً ضد سياسة التجويع والإبادة للشعب العراقي وكذلك ضد سياسة الاستبداد والقهر التي تتبعها الولايات المتحدة. وزاد الأمر سوءاً، احتلال العراق، خروجاً على كافة الأعراف الدولية، على الرغم من معارضة ورقة التوت التي كانت واشنطن تتستر بها، أي قرارات مجلس الأمن. فهناك دنيس هوليداي، وأمثاله كثيرون (DENIS HALLIDAY) وهو المدير للجنة الأمم المتحدة لمراقبة التسلح في العراق (UNSCOM) الذي قرر الاستقالة عام
(1997) من مهمته التابعة للأمم المتحدة، معلناً ـ وهو المسؤول من الدرجة العالية، منذ (34) عاماً ـ بأن الوضع في العراق، هو ضد كل أنواع حقوق الإنسان، وضد الإنسانية جمعاء. وأضاف لقد روع الحظر المفروض على العراق ـ العالم بأسره سوى زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا، نتيجة البؤس والمأساة الإنسانية والكارثية الناتجة عن الحظر. وهذا أيضاً هانس فون سبونيك HANS VON SPONECK منسق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة في العراق، الذي قدم استقالته أيضاً، بعد أن شاهد المأساة وتعسف الولايات المتحدة حيال الشعب العراقي، وقدم شكوى واصفاً الوضع في العراق بـ (الدراما الحقيقية). وأخيراً وليس آخراً، دَقَّت السيدة جوتا بورغارت
(JUTTA BURGHART)، ممثلة برنامج الأمم المتحدة، المسمى، (النفط مقابل الغذاء)، دقت الأبواب صارخة معبرة عن مخاوفها، حول الوضع المأساوي الذي يتعرض لـه الشعب العراقي. وقالت: أصبح الوضع لا يطاق، وإن الدول المتنفذة في مجلس الأمن، تستمر في فرض الحصار مخالفة بذلك كل الأعراف الدولية والإنسانية، إنها تحكم على أنه يموت كل عام حوالي
(110000) طفل بسبب تلك الجريمة غير الإنسانية وعمل الإبادة الجماعية.
إنها حصيلة مقلقة جداً، وجريمة إنسانية، سببتها (الدبلوماسية القهرية) التي يمارسها حكام الولايات المتحدة. ونتج عن ذلك، إصابة الشعب العراقي لا بل الشعب العربي، بعقدة معاداة الغرب بكامله، وخاصة الولايات المتحدة ـ ويعمق مثل هذا التصرف الحقد بين الشعوب، ويخلق حالة من عدم الاستقرار  الدولي، خاصة مع تلك المنطقة الحيوية من العالم، المسماة بالشرق الأوسط، ومن هو بحاجة لجعل العراق أفغان جديدة ومحل مجابهات وعداوات إقليمية ومصادمات بين مصالح القوى العظمى؟ سؤال يطرحه الاختصاصي الجيوسياسي، فرانسو تويال. والجواب عن ذلك هو الفكرة القوية القائلة: "تعتقد الولايات المتحدة، وحتى بعض المحللين من رجال السياسة في الولايات المتحدة، أمثال صامويل هانتنغتون، إلى ناعوم شومسكي، مروراً بـ (بات بوشانان (pat buchanan) أن (هذه السياسة المتعجرفة) سوف تنتهي، ضمن مدى ما، بالتحول ضد الشعب في الولايات المتحدة.
موسى الزعبي

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال