الولايات المتحدة: نحو إنشاء حضارة جديدة.. صدمة المستقبل ومفهوم الأزمة العامة للنظام الصناعي

تجابه الولايات المتحدة مجموعة من الأزمات، لا مثيل لها، منذ أصولها، فالنظام العائلي في أزمة، وكذلك هي الحال في النظام الصحي، وأنظمتها المدئية، ومنظومة قيمها، و فوق ذلك كله أزمة نظامها السياسي، الذي فقد عملياً ثقة الشعب. تُرى ما الذي جعل كلّ هذه الأزمات- وغيرها كثير- تحدُث في نفس اللحظة تقريباً من تاريخنا؟! وهل يمكن أن تكون هذه علامة على تفسخ بلادنا؟! و هل نحن "في نهاية التاريخ"؟!
أما التاريخ الذي ترويه هذه الصفحات، فهو مختلف  تماماً. ذلك أنّ أزمات بلادنا لاتنشأ عن إخفاقها، بل عن نجاحاتها السابقة- وبدلاً من القول: إننا في نهاية التاريخ، نقول: إننا في نهاية ماقبل التاريخ.
ومنذ عام 1970 ، وعندما أدخلنا في كتابنا "صدمة المستقبل"، "مفهوم الأزمة العامة للنظام الصناعي". كانت مصانع ذلك العهد، قد سرَّحت مجموعات كبيرة من العمال اليدويين، وكنا قد توقعنا ذلك في كتابنا ذاك. وقل مثل ذلك في بنيتنا العائلية، إذ أنها تهشمت، وأدوات إعلامنا تجزأت، كما أن صور حياتنا وقيمنا قد تنوعت. لقد تغيرَّت أمريكا، تغيراً كلياً.
وهذا مايفسّر السبب في أنّ كلّ صور التحليل السياسي القديمة  قد بَطلت، فمصطلحاتنا " في اليمين" أو "اليسار" أو "الليبرالي" أو "المحافظ" قد فقدت معناها التقليدي. ففي روسيا مثلاً، ينظر في الوقت الحاضر، إلى الشيوعيين وكأنهم هم "المحافظون" وإلى الإصلاحيين، وكأنهم "الراديكاليون". أما في الولايات المتحدة فإن أنصار الليبرالية، الاقتصادية، يمكن أن يَعَدُّوا، اجتماعياً، محافظين. وبالعكس، فرالف نادر Ralph NADER 3  "رجل اليسار" يضم قواه إلى قوى بات بوشانان Pat Buchanan "رجل اليمين" لكي يعارضا الـ Alena.([1])
والأدعى إلى الاضطراب، والأكثر دلالة هو، مع ذلك، الانتقال المتزايد للسلطة السياسية، أي البنى السياسية الرسمية - كالكونغرس، والبيت الأبيض، والإدارات العامة، والأحزاب السياسية- إلى جماعات القواعد المتصلة فيما بينها اعلامياً، وإلى وسائل الإعلام.
ومن العسير أن نشرح بالمصطلحات السياسية وحدها، هذه التغيرات الضخمة التي تتمّ في الحياة السياسية الأمريكية وغيرها. إذ أنها موصولة بتغيرّات لها نفسُ العمق في الحياة العائلية، ولعالم الأعمال والتكنولوجيا والثقافة والقيم، فإذا شئنا الحكم في هذا العهد القائم على التغيرات المفرطة السرعة، وعلى الصراع الاجتماعي، الشبيه بصراع الأخوة، فإنه يجب علينا أن نتسلح بمقاربة متناسقة ومنسجمة، للقرن الواحد والعشرين، ويقدّم هذا الكتاب إطاراً جديداً للتغييّر يتمثل بقوةٍ كبيرة، ومتى فهمنا هذا الإطار جيداً، فإنه يكون في وسعنا أن نتخذ تدابير فعلية، لكي نهب شكلاً ما، لتغيرات، أكثر تناسقاً ومنطقاً أيضاً، ماتزال تنتظرنا، وذلك لتوجيهها، لا لكي تكون ضحية لها.
 وعندما يقومُ بعضُ المؤلفين، بعرض فصُول من كتبهم السابقة، فكثيراً ما ينشأ عن ذلك مجموعة من الأفكار المتباينة، ولكن هذا ليس حال هذا الكتاب.
أما الفصل الأول والتاسع من كتابنا هذا، فقد ظهرا في كتابنا: الموجة الثالثة. أما الفصول 2، و 4، فإنهما استُمدّا من كتابنا الأخير: الحرب وماهو ضد الحرب، المنشور عام 1993. وأما الفصول 3،5،6 فإنها أخذت من كتابنا السلطات الجديدة (Powershift) الذي ظهر عام 1990،([2]) ولكن النصوص التي قدّمت هنا، صُغرت بالنسبة إلى النصوص الأصلية: وبتعبير آخر نحن لم نضف إليها إلا تغييرات صغيرة للحفاظ على التواصل المنطقي، وبالمقابل فإن الفصلين 7 و 8 يقدمان مواد لم تُقل سابقاً، ولم تنشر قط.
ويبقى أنه إذا كانت الفصول الموجودة هنا، مستمدّة من الكتب السابقة، فهذا لا يعني أننا أمام موجز لها، بل إلى جملةٍ لم تنشر سابقاً- وصارت ممكنة بحكم السمة النموذجية لكتبنا، القائمة كلها على نماذج مقررة من التسارع والتغيير السياسي والاجتماعي. ونحن نعتقد أننا بهذا الشكل الجديد، نقدم ألفبائية أو مفتاحاً لمشروعنا.
إن جيفري إيزناش JEFFREY A EISNACH. رئيس مؤسسة التقدّم والحرية في واشنطن، هو الذي كان أول من فكرّ، بإصدار مثل هذا الكتاب. ولما كان إيزناش هذا يرى أن الأمريكيين والقادة السياسيين ميالون إلى النظر إلى كل عنوان، وكلِّ ضوء إعلامي، وكلِّ نقاش في الكونغرس، وكلِّ تقدم تكنولوجي، كما لو أنه حادثٌ مفردٌ ومستقل، فإن إيزناش يعترف بالأهمية السياسية للتأليف بين الأحداث المتباينة. وأكثر من ذلك أنه يقدر أن عهد ردود الفعل الآلية، قد انقضى. وبهذا المنظار نفسه، اقترح علينا، أن نصدر هذا الكتاب.
ونحن نعترف له بالجميل، ونشكر أيضاً ذلك العون الثمين جداً، الذي قدّمه لنا الدكتور ألبرت س، هانسر Albert S. Hanser، رئيس مؤسسّة التقدم والحرّية، والذي كان قد استعرض وقرأ النصوص المنشورة سابقاً، التي أخذنا كتابنا هذا جزئياً، منها، واختار هو بعضها، أو لخص منها بعض أجزائها: وكذلك ندين بالشكر للسيد ايريك ميشيل ERIC MICHAEL. الملحق بدائرة البحوث، على أنه تابع معنا هذا المشروع.
 ونحن نأمل أن يساعد كتابنا هذا، قُرّاءهُ على القيام بإعادة تقييم كلّي، لأفكارهم التي تقتضيها الحضارة الناشئة، حضارة الغد.
ألفين وهيدي توفلر.
Alvin et Heidi Toffler
([1]) " أي الاتفاق على حرية التبادل الثلاثي بين بلاد أمريكا الشمالية (أي المكسيك، والولايات المتحدة وكندا)
([2]) نشر هذا  الكتاب، سابقاً في مطبوعات اتحاد الكتاب العرب، وهو من ترجمة حافظ الجمالي وأسعد صقر.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال