يمثل تعنت الولايات المتحدة في استمرار المحافظة على التوتر في مظهر غير مفيد، مع حثالات من الماضي، كما في كوريا الشمالية، كوبا، العراق، إيران، فيتنام... يمثل جميع المظاهر اللا معقولة.
خصوصاً إذا أضفنا مواقف الولايات المتحدة المعادية للقضايا القومية العربية، علناً، كما يجري بشأن القضية الفلسطينية، ودعمها اللا محدود للكيان الصهيوني، والوقوف في وجه تنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئات الدولية، بشأن القضية الفلسطينية، والمناطق المحتلة في كل من سورية ولبنان، وحتى من الأردن، وأيضاً من مصر، كذلك، ما قامت به بشأن إضعاف العراق وإرجاعه إلى الوراء عشرات السنين، ثم احتلاله، وإثارة الفوضى فيه، ومحاولات تقسيمه، ودعم كل فئة تعادي القضايا القومية العربية، بإثارة النزاعات الطائفية والقبلية.... وهناك التحديات المتكررة للصين. وسوف ستؤدي السياسة الإمبريالية شرعياً، إلى البحث، عن السلم الأمريكي (PAX- AMERIGANA)، عن طريق إقامة علاقات مثابرة في العجرفة الإمبريالية، في بلدان، يكون فيها الوضع، آنياً –بشكل واضح- فهناك بعض الأنظمة، ستسقط يوماً ما، إذا لم تتدخل الولايات المتحدة لإسقاطها. وتتعزز كراهية الولايات المتحدة، نتيجة تصرفاتها المشينة، لتحقيق مطامعها، ويؤدي ذلك، للقيام بأعمال عنف انتقاماً من تصرفاتها ومواقفها، بسبب عجز الأنظمة القائمة على مواجهتها، وهكذا، فالعداوة للولايات المتحدة، ستعطي الحق للبعض في ممارسة العنف ضدها، بالاعتماد على إحساسات قومية، وكره الأجانب، ونتيجة لتبعية معظم الأنظمة العربية للولايات المتحدة، والدفاع عن سياساتها في المنطقة، وهي بالإجمال أنظمة قمعية متسلطة- تعتمد على أقليات محلية، وتنشر الفساد والمحسوبية بالإضافة لتدني مستويات المعيشة للسكان، والقضاء على الطبقات المتوسطة، محركة الأحداث، في التاريخ مسرحاً جديداً أصبح مفتوحاً حديثاً أمام النشاطات المهووسة، للولايات المتحدة. فهناك، النزاع الهندي، الباكستاني، فالولايات المتحدة مسؤولة بشكل كبير عن عدم الاستقرار الجاري في الباكستان، وكذلك حدة حُمّى النزعة الإسلامية المتطرفة فيها، والولايات المتحدة، لا تريد أن تمثل دور الوسيط الضروري لإيجاد حلول مناسبة لذلك النزاع الهندي- الباكستاني، إن لم تشجعه بالخفاء.
كل ذلك، يسيء إلى سمعة الولايات المتحدة، ويتهمها بأنها لا تتدخل إلا في الأمور التي في صالحها وتخدم استراتيجيتها. وهناك إثارة حلفائها، لدرجة احتقار آرائهم، وتجاوز رغباتهم، مع ذلك تشكل هذه النزاعات، صفراً بالنسبة للولايات المتحدة، في المجالات العسكرية، لكنها، تسمح لها بأن تكون "حاضرة" في كل مكان من العالم. وتحافظ الولايات المتحدة على وهم عالم غير مستقر وخطر، عالم سيكون بحاجة إليها، على الدوام، من أجل حمايته.
فالحرب الأولى ضد العراق، وما لحق ذلك البلد من دمار، أعاده إلى الوراء عشرات السنين، وما لحقه من معاناة، بسبب الحصار الجائر، وما رافق ذلك من احتقار لكل الأعراف والقيم الدولية، تلك الحرب التي قادها بوش الأب، قدمت طرازاً جديداً للهيمنة، بعد اليوم، وبينت نوعاً من السلوك والتصرف الأمريكي. ولم يجرؤ أحد مطلقاً على الكشف عن استراتيجية الولايات المتحدة في تلك المنطقة من العالم، كما أن عقلنة الولايات المتحدة، بهذا الشأن، ستذهب، حتى درجة محاولة إثارة العالم العربي والإسلامي شعبياً ضد الولايات المتحدة، هذه الإثارة التي تأخذ شكلاً ما أصبح يسمى بـ "الإرهاب". لكن أدت تصرفاتها الحمقاء إلى زيادة الكراهية تجاهها، بل الحقد على ساستها.
وزاد الأمر سوءاً، بعد احتلال العراق، بحجج مزيفة، تبين الكذب فيها واضحاً وجلياً. احتلال يعود إلى حقبة الاستعمار الأولى.
لكن، ما هو العراق؟ إنه بلد يعوم على بحر من النفط، يسيل من أجله لعاب أصحاب الأموال والشركات، ومن يعمل فيها من مستشارين، أو أي شيء لتقاضي العمولات، تحت أسماء مختلفة، ويحلم الجميع باستغلال ذلك البلد الغني بثرواته، خاصة، أن هذا البلد يحكم أو يخضع لحكم فيه القسوة، لكنه لم يكن يساوم، خاصة في القضايا القومية، أصحاب الوجاهة من الأمريكيين، لكن يعتقد الكثيرون، أن فرحة واشنطن لن تدوم طويلاً، عندما تصطدم أحلامها بمقاومة عنيفة، سيقوم بها الشرفاء من الشعب العراقي –مهما بلغت التضحيات- وقد اختار العراق- تحدي الاستراتيجية الأمريكية، في المنطقة، في ظروف لم تكن في صالح العراق، مع ذلك، لا تزال هناك ظروف غامضة عن دور بعض الأنظمة العربية، في حصار العراق وسحقه واحتلاله- ولا يزال الغموض- يلف أيضاً، المغامرة العراقية باحتلال الكويت، في ظروف دولية، كانت كلها لصالح الولايات المتحدة، وهناك من يعتقد أن العراق قد ظن أن إلحاق الكويت به، أمر مقبولٌ من وجهة نظر الولايات المتحدة، وقد تكون تلك العملية جرى تشجعيها من قبل واشنطن لتحقيق ما خططت له، كذريعة قامت برسم خطوطها بدقة، وحركت خيوطها بمهارة، شارك في تنفيذها بعض الأنظمة العربية، وهم إما على علم بذلك المخطط، أو أن بعضهم يجهلونه بغباء، لكن ما هو أكيد، أن العمليات التي سميت بعمليات تحرير الكويت، ترافقت مع خيار يتيح للولايات المتحدة خوض مواجهة للسيطرة على أزمة أو نزاع، مع قوة عسكرية ليست عالية المستوى، وباستخدام أقصى درجة من الحشد العسكري، كنوع من الإيهام أن ذلك الخصم يستحق هذا الحشد، وترافق ذلك الحشد بدعاية مكشوفة، تقول إن العراق هو القوة العسكرية الرابعة على وجه الكرة الأرضية، وغير ذلك. وفي الوقت نفسه استخدام تعابير معاكسة مثل الدولة السوقية
(ETAT VOYOU) (ROGUE STATE)، هذه العبارة، تلخص سوء تصرف تلك الدولة الصغيرة، تجاه العملاق الأمريكي، من أجل إثبات قوة ذلك العملاق، وقدراته على تدمير من يتحداه. وهذا يعني، أنه يجب أن يكون الخصم ضعيفاً، وهنا، لا بد من الملاحظة، أن فيتنام، هي على الدوام شيوعية، ولا تزال ترمز إلى مفهوم الطاقة العسكرية الحقيقية بالنسبة للولايات المتحدة –ومن أجل أسباب أخرى- تركها بسلام. إن تضخيم التهديد العراقي –الجيش الرابع في العالم كما كان يقال، وامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل- ليس سوى البداية لإخراج تلك المسرحية المأساة، والمسماة بالتهديد العراقي للولايات المتحدة، أو تهديد مصالحها الاستراتيجية، ولم يكن كل ذلك إلا كذباً وخداعاً، لا ينطلي إلا على الأغبياء، لكن من يعرف الولايات المتحدة، يكشف فوراً، أن الإمبريالية الأمريكية، تنوي احتلال ذلك البلد، والسيطرة على ثرواته.
ثم الحرب، على أفغانستان، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، والإرهاب ذريعة تتبناها كافة أجهزة الدعاية الأمريكية لتبرير عدوانها، وأصبح الإرهاب جزءاً مكملاً لاستراتيجيتها، لسحق الشعوب، التي ترفض الخضوع والإذلال، وكسر رؤوس من يرفض الإذعان لمشيئة آلهة الكذب والمال والاستعمار الجديد، شياطين الحروب والقتل والتدمير، وقد شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان بعد أن تعرضت رموز الإمبريالية الأمريكية، البنتاغون، رمز العسكرة الأمريكية في واشنطن، والمراكز التجارية في نيويورك، رمز رأس المال، المنهوب من الشعوب، من جميع أنحاء العالم. وجُنَّ جنون قادة الإمبريالية- الأمريكية، كيف تتعرض بلادهم لتلك الإهانة، وهم لا يعرفون إلا الانتقام، بدلاً من البحث عن أسباب ذلك الاعتداء، وهم لا يعرفون سوى استخدام كافة أسلحة القتل والدمار، وهي كثيرة ومتنوعة المهمات، والولايات المتحدة تتناسى أن الإرهاب، هو استخدامها تلك الأسلحة متعددة المهمات وهي بذلك تقع في رأس منفذي الإرهاب، ليس الإرهاب هو الدفاع عن النفس، بعمليات استشهادية، لأن من يقوم بذلك، لا يملك الوسائل الأخرى للدفاع عن النفس.
وهكذا، مرة أخرى، يتورط قادة الإمبريالية الأمريكية في نزاعات لم يكونوا يتوقعونها لكن شجَّعت تقنيتهم المركزية التي يمكن أن يطلق عليها اسم مضخم العسكرة في مسارح العمليات (MICOMILITARISME THEATRALE)، شجعت على البرهنة: على ضرورة سحق الخصوم، قليلي الأهمية في العالم، وببطء. ففي حالة أفغانستان، فإن البيِّنات لم تكن غير كافية، أو كاملة. فقد أوحت للعالم، بالحقيقة وهي أن كل بلد لا يمتلك دفاعاً جوياً مضاداً للطائرات، وعلى نحو فعال، أو لا يمتلك قدرة أو طاقة ردع نووي، سيكون، تحت رحمة صواعق قادمة من السماء، باستخدام الطائرات والصواريخ، متعددة الأشكال والمهمات. وهذا أيضاً ما برهنت عليه الأعمال العدوانية على العراق. ويذكّرنا عجز جيوش الولايات المتحدة، بالتكفل بالعمل على الأرض، يذكر بالعجز، الأساسي للقوة الأعظم، ويكشف أيضاً أن الولايات المتحدة تعتمد في حروبها البرية، على زعماء الحروب المحليين فقط، بشكل رئيس، كما تعتمد، على الإرادة الحسنة للروس، القادرين وحدهم على تسليح من يريد مواجهة الولايات المتحدة، إذا عزموا على ذلك، وهذا ما أثبتته الأيام في أفغانستان، وفي العراق.
موسى الزعبي
التسميات
عولمة