حكم التشهير بالنّسبة للتعزير.. إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل

بالنّسبة للتعزير:
التّشهير نوع من أنواع التّعزير، أي أنّه عقوبة تعزيريّة.

ومعلوم أنّ التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم، فقد يكون بالضّرب أو الحبس أو التّوبيخ أو التّشهير أو غير ذلك، حسب اختلاف مراتب النّاس، واختلاف المعاصي، واختلاف الأعصار والأمصار.

وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم الحاكم أنّ المصلحة فيه، وهذا الحكم هو بالنّسبة لكلّ معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة في الجملة.

يقول الماورديّ: للأمير إذا رأى من الصّلاح في ردع السّفلة: أن يشهّرهم وينادي عليهم بجرائمهم، ساغ له ذلك.

ويقول: يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه، إلا قدر ما يستر عورته، ويشهّر في النّاس، وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب.

وفي التّبصرة لابن فرحون: إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل.

ويقول ابن فرحون أيضا: إذا حكم القاضي بالجور، وثبت ذلك عليه بالبيّنة، فإنّه يعاقب العقوبة الموجعة، وعزل ويشهّر ويفضح.

وفي كشّاف القناع: القوّادة - الّتي تفسد النّساء والرّجال - أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب.

غير أنّه يلاحظ أنّ الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأنّ التّشهير واجب بالنّسبة لشاهد الزّور، وذلك لاعتبار هذه المعصية من الكبائر.

قال الإمام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور: يطاف به ويشهّر، ولا يضرب استنادا إلى ما فعله القاضي شريح، وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه.

ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنَبِّئكُم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللّه قال: الإشراكُ باللّه وعقوق الوالدين، وكان متّكئاً فجلس، فقال: ألا وقولُ الزّور وشهادة الزّور. فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت».

ثمّ يقول ابن قدامة: فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في قول أكثر أهل العلم.

روي ذلك عن عمر رضي الله عنه، وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه والأوزاعيّ وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة.

وفي كشّاف القناع: إذا عزّر من وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره لمصلحة كشاهد زور ليجتنب.

وجاء في التّبصرة: التّعزير لا يختصّ بالسّوط واليد والحبس، وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام.
قال أبو بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين: إنّهم كانوا يعاملون الرجل على قدره وقدر جنايته، فمنهم من يضرب، ومنهم من يحبس، ومنهم من يقاوم واقفا على قدميه في المحافل، ومنهم من تنزع عمامته.

قال القرافيّ: إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار، فرب تعزيز في بلد يكون إكراماً في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام فإنّه إكرام، وكشف الرّأس بالأندلس ليس هواناً وبمصر والعراق هوان.

ثمّ قال صاحب التّبصرة: والتّعزير لا يختصّ بفعل معيّن ولا قول معيّن، فقد « عزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالهجر»، وذلك في حقّ الثّلاثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم، فهجروا خمسين يوماً لا يكلّمهم أحد. «وعزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالنّفي، فأمر بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم».

وفي مغني المحتاج: يجتهد الإمام في جنس التّعزير وقدره، لأنّه غير مقدّر شرعاً ، فيجتهد في سلوك الأصحّ، فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه.

ويجوز له حلق رأسه، ويجوز أن يصلب حيّاً، وهو ربطه في مكان عال لما لا يزيد عن ثلاثة أيّام ثمّ يرسل، ولا يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلاة.

وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى الإمام ذلك، ويجوز أن يضمّ إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس.

وقد كان أبو بكر البحتريّ - وهو أمير المدينة - إذا أتي برجل، قد أخذ معه الجرّة من المسكر، أمر به فصبّ على رأسه عند بابه، كيما يعرف بذلك ويشهّر به.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال