تشهير النّاس بعضهم ببعض:
الأصل أنّ تشهير النّاس بعضهم ببعض بذكر عيوبهم والتّنقّص منهم حرام. 
وقد يكون مباحاً أو واجباً.
وذلك راجع إلى ما يتّصف به المشهّر به. 
- فيكون حراماً في الأحوال الآتية:
أ - إذا كان المشهّر به بريئا ممّا يشاع عنه ويقال فيه. والأصل في ذلك قوله تعالى: {إنَّ الّذينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ في الّذينَ آمَنُوا لهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ في الدّنيا والآخِرةِ واللّهُ يَعْلمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمُون}.
وقول النّبيّ: «أيّما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء، يرى أن يشينه بها في الدّنيا، كان حقّا على اللّه تعالى أن يرميه بها في النّار . ثمّ تلا مصداقه من كتاب اللّه تعالى: {إنَّ الّذينَ يُحِبُّونَ أنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ}».
وقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى الّذين فعلوا ذلك، وتوعّدهم بالعذاب العظيم، وذلك في الآيات الّتي نزلت في شأن السّيّدة عائشة رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان بما قالوه من الكذب والافتراء، وهي قوله تعالى: {إنَّ الّذينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ...}.
 وقال ابن كثير في قوله تعالى: {وَالّذينَ يُؤْذُونَ المُؤمنينَ والمؤمنَاتِ بِغَيرِ ما اكْتَسَبُوا فقد احْتَمَلُوا بُهتَاناً وإِثماً مُبِينَاً} أي ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، يحكون على المؤمنين والمؤمنات ذلك على سبيل العيب والتّنقّص منهم، وقد قال رسول اللّه فيه: «أربى الرّبا عند اللّه استحلالُ عِرض امرئ مسلم ثمّ قرأ: {وَالّذينَ يُؤْذُونَ المُؤْمنينَ وَالمُؤْمناتِ}» وقد قيل في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللّهُ به» أي من سمّع بعيوب النّاس وأذاعها أظهر اللّه عيوبه.
ومن ذلك: الهجو بالشّعر.
قال ابن قدامة: ما كان من الشّعر يتضمّن هجو المسلمين والقدح في أعراضهم فهو محرّم على قائله.
ب- إذا كان المشهّر به يتّصف بما يقال عنه، ولكنّه لا يجاهر به، ولا يقع به ضرر على غيره.
فالتّشهير به حرام أيضا، لأنّه يعتبر من الغيبة الّتي نهى اللّه سبحانه وتعالى عنها في قوله: {ولا يَغْتَبْ بَعْضُكم بَعْضَاً}.
وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْره. قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقولُ؟ قال: إن كان فيه ما تقولُ فقد اغْتَبْتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بَهَتَّه».
ومن ذلك: قول العالم: قال فلان كذا مريدا التّشنيع عليه. أو قول الإنسان: فعل كذا بعض النّاس، أو بعض من يدّعي العلم، أو بعض من ينسب إلى الصّلاح والزّهد، أو نحو ذلك إذا كان المخاطب يفهمه بعينه، ونحو ذلك. 
ومن المقرّر شرعاً: أنّ السّتر على المسلم واجب لمن ليس معروفاً بالأذى والفساد.
فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلماً سَتَرَه اللّه عزّ وجلّ يومَ القيامة» قال في شرح مسلم: وهذا السّتر في غير المشتهرين. 
وقال ابن العربيّ: إذا رأيت إنساناً على معصية فعظه فيما بينك وبينه، ولا تفضحه.
ج- ويحرم كذلك تشهير الإنسان بنفسه، إذ المسلم مطالب بالسّتر على نفسه.
ففي الصّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ أمّتي مُعَافى إلا المجاهرين، وإنّ من الإجهار أن يعمل العبد باللّيل عملاً، ثمّ يصبح وقد ستره عليه اللّه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره اللّه عزّ وجلّ ويصبح يكشف ستر اللّه عزّ وجلّ عنه».
والسّتر واجب على المسلم في خاصّة نفسه إذا أتى فاحشة، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر اللّه».
ويكون التّشهير جائزاً لمن يجاهر بالمعصية في الأحوال الآتية: 
أ- بالنّسبة لمن يجاهر بالمعصية، فيجوز ذكر من يتجاهر بفسقه، لأنّ المجاهر بالفسق لا يستنكف أن يذكر به، ولا يعتبر هذا غيبة في حقّه ، لأنّ من ألقى جلباب الحياء لا غيبة له. 
قال القرافيّ: المعلن بالفسوق - كقول امرئ القيس: "فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع".
فإنّه يفتخر بالزّنا في شعره - فلا يضرّ أن يحكى ذلك عنه، لأنّه لا يتألّم إذا سمعه، بل قد يسرّ بتلك المخازي، وكثير من اللّصوص تفتخر بالسّرقة والاقتدار على التّسوّر على الدّور العظام والحصون الكبار، فذكر مثل هذا عن هذه الطّوائف لا يحرم.
وفي الإكمال في شرح حديث مسلم: «مَنْ سَترَ مسلماً ستره اللّه» قال: وهذا السّتر في غير المشتهرين.
وقال الخلال: أخبرني حرب: سمعت أحمد يقول: إذا كان الرّجل معلناً بفسقه فليست له غيبة.
وذكر ابن عبد البرّ في كتاب بهجة المجالس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا غِيبة فيهم: الفاسقُ المعلن بفسقه، وشارب الخمر، والسّلطان الجائر». 
ب- إذا كان التّشهير على سبيل نصيحة المسلمين وتحذيرهم، وذلك كجرح الرّواة والشّهود والأمناء على الصّدقات والأوقاف والأيتام، والتّشهير بالمصنّفين والمتصدّين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهليّة، أو مع نحو فسق أو بدعة يدعون إليها، وأصحاب الحديث وحملة العلم المقلّدين، هؤلاء يجب تجريحهم وكشف أحوالهم السّيّئة لمن عرفها ممّن يقلّد في ذلك ويلتفت إلى قوله، لئلا يغترّ بهم ويقلّد في دين اللّه من لا يجوز تقليده، وليس السّتر هنا بمرغّب فيه ولا مباح. على هذا اجتمع رأي الأمّة قديماً وحديثاً.
يقول القرافيّ: أرباب البدع والتّصانيف المضلّة ينبغي أن يشهّر النّاس فسادها وعيبها. وأنّهم على غير الصّواب، ليحذرها النّاس الضّعفاء فلا يقعوا فيها، وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن، بشرط أن لا يتعدّى فيها الصّدق، ولا يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفّرات خاصّة، فلا يقال في المبتدع : إنّه يشرب الخمر، ولا أنّه يزني، ولا غير ذلك ممّا ليس فيه.
ويجوز وضع الكتب في جرح المجروحين من رواة الحديث والأخبار بذلك لطلبة العلم الحاملين لذلك لمن ينتفع به وينقله، بشرط أن تكون النّيّة خالصة للّه تعالى في نصيحة المسلمين في ضبط الشّريعة.
أمّا إذا كان لأجل عداوة أو تَفَكُّهٍ بالأعراض وجرياً مع الهوى فذلك حرام، وإن حصلت به المصلحة عند الرّواة.
ويقول الخطيب الشّربينيّ: لو قال العالم لجماعة من النّاس: لا تسمعوا الحديث من فلان فإنّه يخلط أو لا تستفتوا منه فإنّه لا يحسن الفتوى فهذا نصح للنّاس. نصّ عليه في الأمّ. قال: وليس هذا بغيبة إن كان يقوله لمن يخاف أن يتبعه ويخطئ باتّباع . ومثله في الفواكه الدّواني.
ويقول النّوويّ: يجوز تحذير المسلمين من الشّرّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه منها: جرح المجروحين من الرّواة للحديث والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: إذا استشارك إنسان في مصاهرته أو مشاركته أو إيداعه أو الإيداع عنده أو معاملته بغير ذلك، وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النّصيحة.
وفي مغني المحتاج: ينكر على من تصدّى للتّدريس والفتوى والوعظ وليس هو من أهله، ويشهّر أمره لئلّا يغترّ به.
التسميات
فقه