أحزمة التواء القشرة الأرضية في أفريقيا: تحليل جيولوجي مقارن لجبال الأطلس الشمالية ومنظومة دراكنزبرج الجنوبية، بين تصادم الصفائح والرفع القاري

الجبال الالتوائية الحديثة في أفريقيا: نظرة متكاملة على التكوين والتأثير

تتميز القارة الأفريقية بوجود الدروع القارية القديمة (Cratons) التي يعود تاريخها إلى عصور سحيقة، لكنها تضم أيضاً نطاقات من الجبال الالتوائية الحديثة (Recent Fold Mountains) التي تشكلت نتيجة لحركات تكتونية حديثة نسبياً، خاصة خلال حقبة الحياة الحديثة (Cenozoic Era). يقتصر وجود هذه الجبال على أطراف القارة، مما يعكس طبيعة تفاعل الصفيحة الأفريقية مع الصفائح المجاورة. تتجسد هذه الجبال في منطقتين رئيسيتين متباعدتين جغرافياً: جبال الأطلس في الشمال الغربي ونظام الكاب ودراكنزبرج في الجنوب.


1. جبال الأطلس: حاجز الشمال الأفريقي

تُعد جبال الأطلس النطاق الالتوائي الأبرز والأكثر شهرة في أفريقيا، وهي تشكل جزءاً لا يتجزأ من نظام الالتواءات الألبية المتوسطية (Alpine-Mediterranean System).

التكوين والجيولوجيا:

  • آلية التشكيل: تشكلت جبال الأطلس بشكل أساسي نتيجة تصادم (Convergence) الصفيحة الأفريقية باتجاه الصفيحة الأوراسية. هذا الضغط الهائل أدى إلى التواء ورفع (Folding and Uplift) الطبقات الرسوبية البحرية القديمة التي ترسبت على أطراف القارة، لتكون سلاسل جبلية شاهقة معقدة التكوين.
  • الامتداد: تمتد على مسافة تزيد عن 2,400 كيلومتر عبر المغرب والجزائر وتونس.
  • الخصائص: تتميز بوجود قمم عالية (أعلىها جبل توبقال في المغرب بارتفاع 4,167 م)، ووديان عميقة، وطبقات صخرية مكشوفة من الحجر الجيري والكوارتزيت.

التقسيمات الهيكلية الرئيسية:

تنقسم سلسلة الأطلس إلى مجموعات رئيسية تمتد بشكل شبه متوازٍ، محددة بذلك التضاريس والمناخ في المغرب العربي:

  • أطلس التل (الأطلس البحرية):

  1. الموقع: السلسلة الشمالية الأقرب إلى البحر الأبيض المتوسط.
  2. البيئة: تعمل كـ حاجز لاستقبال الرطوبة، ما يجعلها ذات مناخ متوسطي ممطر وغطاء نباتي كثيف (غابات البلوط والفلين)، وتُعد المنطقة الأكثر كثافة سكانية.

  • أطلس الصحراء:

  1. الموقع: السلسلة الجنوبية التي تحد مباشرة هضبة الشطوط والصحراء الكبرى.
  2. البيئة: مناخها شبه صحراوي أو قاري جاف.
  3. الدور: تمثل خط الدفاع المناخي الذي يحمي المناطق الشمالية من الجفاف الصحراوي ويزود الواحات في الجنوب بالمياه من خلال الأودية الجافة (الأنهار التي تجري في مواسم الأمطار).

التأثير البيئي والمائي:

جبال الأطلس هي "برج المياه" في المنطقة. يوفر الغطاء الثلجي الذي يتراكم على القمم العالية مصدراً مستداماً للمياه العذبة التي تغذي الأنهار الرئيسية والسدود، وهي شريان الحياة للزراعة في المغرب العربي.


2. الجبال الالتوائية في جنوب أفريقيا: نظام الكاب ودراكنزبرج

في الطرف الجنوبي للقارة، تظهر مجموعة من الجبال الالتوائية تعرف بـ نظام التواء الكاب (Cape Fold Belt). على الرغم من أن تكوينها الالتوائي يعود إلى العصر الباليوزي المتأخر، إلا أن عمليات الرفع والتجديد التي حدثت لاحقاً (خاصة الرفع القاري الأخير) تصنفها ضمن النطاقات ذات السمات الحديثة.


الخصائص والتصنيف:

تنقسم التكوينات الجبلية في الجنوب إلى مجموعتين رئيسيتين:

  • جبال الكاب (الجزء الغربي والجنوبي):

  1. التكوين: تتكون من طبقات رسوبية سميكة (خاصة الكوارتزيت والحجر الرملي) تعرضت لالتواء عنيف أدى إلى تكوين سلاسل متوازية متجهة من الشرق إلى الغرب.
  2. التأثير: تحدد هذه السلاسل المناخ الفريد لمنطقة الكاب الغربية، حيث تساهم في هطول الأمطار الشتوية (مناخ البحر الأبيض المتوسط)، وتشتهر بوجود مملكة نباتات الفينبوس (Fynbos) ذات التنوع البيولوجي المذهل.
  • جبال دراكنزبرج (الجزء الشرقي - الحافة العظمى):
  1. الموقع: تمتد على طول الساحل الشرقي وتكون الحدود الطبيعية مع مملكة ليسوتو.
  2. التكوين المعقد: تُعرف هذه الجبال بـ "الحافة العظمى" (The Great Escarpment). الجزء الأسفل منها يتكون من صخور رسوبية التوائية، لكن الجزء العلوي يتكون من غطاء هائل من الحمم البازلتية التي تصل سماكتها إلى 1,500 متر. هذا الغطاء البازلتي، المقاوم للتعرية، هو الذي يعطي دراكنزبرج مظهرها المميز من المنحدرات شديدة الانحدار والقمم المسننة.
  3. الأهمية المائية: هي خزان المياه الرئيسي لجنوب أفريقيا، ومصدر لأكبر الأنهار مثل أورانج و توجيلا، وتتلقى أعلى معدلات هطول الأمطار في المنطقة.

الخلاصة والتأثير الشامل:

توضح الجبال الالتوائية الحديثة في أفريقيا أن القارة ليست مجرد كتلة صلبة قديمة، بل تتفاعل حوافها بنشاط مع الصفائح المجاورة. هذه الجبال ليست مجرد معالم طبيعية، بل هي:

  • محددات مناخية: تعمل كـ حواجز أوروجرافية تحدد توزيع الأمطار وتفصل بين المناطق المناخية المختلفة.
  • خزانات مائية: هي المستودعات الرئيسية للمياه العذبة في مناطقها، الضرورية للحياة والزراعة.
  • مراكز بيئية: توفر موائل فريدة وتضم تنوعاً بيولوجياً غنياً (مثل الفينبوس في الكاب والغابات الجبلية في الأطلس).

بهذا، تشكل الجبال الالتوائية الحديثة عناصر حاسمة في الجغرافيا الطبيعية والبشرية والاقتصادية للقارة الأفريقية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال