التحول البيولوجي في العصر الديفوني: من الهيمنة البحرية إلى غزو اليابسة؛ دراسة مفصلة لانتشار الغابات الوعائية ونشأة النباتات الحاملة للبذور، والتكيفات الأولية لرباعيات الأرجل للمشي على الأرض

العصر الديفوني (Devonian Period): "عصر الأسماك" والتحول نحو الحياة البرية

يُعد العصر الديفوني (Devonian Period)، الذي امتد تقريبًا من 419.2 مليون سنة مضت (ميا) إلى 358.9 ميا (بمدة 60 مليون سنة)، فترة جيولوجية حاسمة ضمن حقبة الحياة القديمة (Paleozoic Era). سُمي هذا العصر نسبةً إلى مقاطعة ديفون في إنجلترا، حيث دُرست صخوره لأول مرة. شهد العصر الديفوني تطورات بيولوجية هائلة، خاصة في تنوع الحياة البحرية وبداية انتشار الغابات على اليابسة.

أولاً: تطور الحياة البحرية والهيمنة السمكية (عصر الأسماك)

شهدت المحيطات خلال العصر الديفوني ازدهارًا هائلاً للحياة، ولذلك يُطلق عليه غالبًا "عصر الأسماك":

• الأسماك العظمية: ظهرت أول سمكة عظمية ذات زعانف شعاعية (Ray-finned fish) وزعانف فصيّة (Lobe-finned fish). أصبحت هذه الأسماك هي السلالات المتكاثرة التي سيطرت على جميع البيئات المائية المعروفة تقريبًا.
• أسماك القرش البدائية: أصبحت أسماك القرش البدائية أكثر عددًا مما كانت عليه في العصور السيلورية والأوردوفيسية المتأخرة.
• الرخويات ورأسيات الأرجل: ظهرت الرأسقدميات (Cephalopods) مثل الحبار، بالإضافة إلى الأمونيتات الأولى، وهي أنواع من الرخويات التي كانت شائعة جدًا.
• الحفريات الشائعة: من أبرز أحافير هذا العصر الأسماك، والمرجانيات الرباعية، والتريلوبيتات (التي كانت لا تزال شائعة، على الرغم من تأثرها لاحقًا بالانقراض).

ثانياً: بزوغ الحياة على اليابسة وظهور النباتات الوعائية

شهد العصر الديفوني أول إشعاع تكيفي كبير للحياة على الأراضي الجافة، مما أدى إلى تغيير جذري في المناظر الطبيعية العالمية:

• انتشار الغابات الوعائية: بدأت النباتات الوعائية (Vascular Plants) ذات الأبواغ الحرة في الانتشار عبر الأراضي الجافة، وبحلول منتصف العصر الديفوني، تطورت عدة مجموعات نباتية لتشكل أوراقًا وجذورًا حقيقية، مكونة غابات شاسعة غطت القارات.
• أول النباتات البذرية: بحلول نهاية هذه الفترة، ظهرت أولى النباتات الحاملة للبذور (Seed Plants)، وهو تطور حاسم سمح للنباتات بالتكاثر في بيئات أكثر جفافًا.
• المفصليات الأرضية: أصبحت مفصليات أرضية متنوعة راسخة أيضًا على اليابسة.
• الأسماك البرمائية (تطور رباعيات الأرجل): بدأ ظهور أسلاف جميع الفقاريات ذات الأرجل الأربعة (رباعيات الأرجل - Tetrapods). بدأت بعض الأسماك البرمائية، والتي ظهرت منذ حوالي 400 مليون سنة، في التكيف مع المشي على الأرض. كانت هذه الكائنات تملك رئات وخياشيم وزعانف قوية تطورت تدريجيًا إلى ساقين، مما مهد الطريق لغزو اليابسة بشكل كامل.

ثالثاً: الجغرافيا القديمة والأحداث الكارثية

تأثر العصر الديفوني بشكل كبير بخصائص الجغرافيا القديمة وحدث انقراض جماعي مؤثر:

• الجغرافيا القديمة: هيمنت على الجغرافيا القديمة قارة جندوانا (Gondwana) في الجنوب، وقارة سيبيريا إلى الشمال، بالإضافة إلى التشكيل المبكر للقارة الصغيرة التي ستُعرف لاحقًا باسم أوروبا.
• الانقراض الديفوني المتأخر: بدأ هذا الانقراض منذ حوالي 375 مليون سنة وأثر بشدة على الحياة البحرية. أسفر هذا الحدث عن فناء جميع أسماك البلاكوديرم (Placoderms) المدرعة، وقتل جميع التريلوبيتات تقريبًا باستثناء عدد قليل من الأنواع.