مقومات تبني النظام المصرفي العالمي للمبادئ المصرفية الإسلامية: نحو نظام مالي أكثر استقرارًا وعدالة
لا يقتصر دور النظام المصرفي الإسلامي على كونه بديلاً دينيًا، بل يُقدم نموذجًا اقتصاديًا يرتكز على العدالة والمخاطرة المشتركة، وهو ما يجعله جذابًا للتبني في سياق النظام المصرفي العالمي، خصوصًا في مواجهة الأزمات المالية المتكررة. يتجسد تبني هذا النموذج من خلال مجموعة من المقومات المالية والأخلاقية والرقابية الحاسمة:
أولاً: الأساس الأخلاقي والالتزام بالقيم
تعتمد المصرفية الإسلامية على قاعدة أخلاقية صلبة، وهي ضرورية لضمان استدامة ونزاهة الأنشطة الاقتصادية والمالية:
- تعزيز العدالة والصدق والوفاء: يجب على جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية والمصرفية الالتزام بقيم أخلاقية أساسية مثل العدل والصدق والشفافية في التعامل، والوفاء بالعقود والعهود. هذه القيم تبني الثقة بين المؤسسات والأفراد.
- الابتعاد عن الممارسات الضارة: يتطلب النظام الأخلاقي نبذ الممارسات التي تؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد والمجتمع، مثل الغش، والاحتكار، والكذب في المعاملات، والإسراف والتبذير في الاستهلاك والإنفاق، مما يضمن توزيعًا أكثر مسؤولية للموارد.
ثانياً: نبذ الربا وتفعيل صيغ التمويل القائمة على الشراكة
يُعتبر تجنب الفائدة (الربا) هو السمة الفارقة والأكثر جوهرية للنظام المصرفي الإسلامي، حيث يتم استبدالها بآليات تمويل قائمة على المخاطرة المشتركة والنشاط الاقتصادي الحقيقي:
- نبذ الربا كأصل البلاء: التوقف عن استخدام الربا (الفائدة) كأداة أساسية للتمويل، حيث يُنظر إليها على أنها سبب رئيسي لتفاقم الأزمات المالية وتعميق الفوارق الاجتماعية.
- استخدام صيغ التمويل الإسلامي البديلة: استبدال القروض الربوية بصيغ تمويل إسلامية متنوعة تلبي حاجات الأفراد والمؤسسات التمويلية والاستثمارية، ومن أبرزها:
- المرابحات: البيع بربح معلوم.
- المشاركات والمضاربات: التي تقوم على تقاسم الأرباح والخسائر، مما يربط التمويل بالإنتاج والمخاطر الحقيقية للاستثمار (المخاطرة المشتركة).
- الاستصناع والسلم والإجارة: لتمويل الأنشطة الصناعية، والزراعية، وخدمات التأجير.
ثالثاً: تجنب المعاملات المالية غير المشروعة (المشتقات والديون)
يمنع النظام الإسلامي بشكل قاطع المعاملات التي تنطوي على المقامرة أو بيع شيء لا يمتلكه البائع، مما يقلل من فقاعات الأصول والمخاطر النظامية:
- منع بيع الدين وجدولته القائمة على الفائدة: تمنع الشريعة بيع الديون الناتجة عن القروض الآجلة. كما تمنع جدولة الديون (تأجيل السداد) إذا كان يتم فيها زيادة المدة مقابل زيادة الفائدة، حيث تعتبر هذه الزيادة رباً صريحاً.
- تجنب الأدوات المالية الوهمية: الابتعاد عن المعاملات المالية والمصرفية التي لا ترتبط بأصول حقيقية أو التي تحمل مخاطرة غير محددة (كالرهان)، ومنها: البيع على الهامش (Margin Trading)، والبيع القصير (Short Selling)، والتعامل في عقود المستقبليات، وعقود الخيارات (Options)، وأسواق المشتقات المالية (Derivatives). كل هذه الصور تندرج تحت مفهوم أكل أموال الناس بالباطل، وتؤدي إلى عدم استقرار الأسواق.
رابعاً: تفعيل صكوك الاستثمار وتعزيز الرقابة
لتحقيق التمويل الآمن والرقابة الفعالة، يقدم النموذج الإسلامي بدائل للسندات التقليدية ويشدد على الدور الرقابي:
- استخدام صكوك الاستثمار (الصكوك): استخدام صكوك الاستثمار الإسلامية كأداة تمويل بدلاً من السندات التقليدية القائمة على الفائدة. الصكوك هي أداة تمثل حصة شائعة في ملكية أصول حقيقية أو منافع أو مشاريع قائمة أو مستقبلية، وتعتمد في عائدها على ربح هذه الأصول، وليس فائدة مضمونة.
- زيادة الرقابة المصرفية الفعالة: يجب على البنوك المركزية وهيئات الرقابة المالية زيادة وتفعيل الرقابة المصرفية على المؤسسات المالية. الهدف هنا ليس فقط التأكد من السلامة المالية، بل التأكد من تطبيق ضوابط منح التمويل بشكل مسؤول وواقعي، والتحقق من أن التمويل موجه نحو نشاط اقتصادي حقيقي ومنتج، وليس نحو المضاربة.