الشخصية النامية هي الشخصية التي تنمو وتتطور وتتفاعل مع الأحداث، الشخصية المثيرة للدهشة، المحركة للانتباه، المتطورة في فكرها، المعقدة في سلوكها ونفسيتها وتكوينها، ونسيجها، التي يصعب على القارئ فهمها، ويتعذر له الحكم عليها، وتتطلب شخصية بهذه السمات من الكاتب "وعياً بالأعماق النفسية وقدرة على تمثل العواطف المتضاربة لما تحفل به من مفاجآت، وتغير، وصراع، وتفاعل اجتماعي".
وبالإضافة إلى التطور والإثارة، والتعقيد، وتعدد الخيوط يراها الدكتور عبد الملك مرتاض، قوية، جسورة بشكل لافت للنظر "إذ هي لا تستبعد أي بعيد، ولا تستصعب أى صعب، ولا تستمر أي مر، إنها الشخصية المغامرة الشجاعة المعقدة بكل الدلالات التي يوحى بها لفظ العقدة".
ولكن إذا كان لا مجال للخلاف مع الدكتور "مرتاض" في مسألة التعقيد فإنني أختلف معه في فروسية الشخصية النامية، ولا أرى علاقة بين كونها لا تستصعب أي صعب وبين كونها نامية ، فلا مانع فني يمنع شخصية ضعيفة مغلوبة على أمرها أن تكون نامية تتطور وتتفاعل وتثير الدهشة، تهبط وتصعد، تحب وتكره ،وتفعل الخير والشر، ويضل القارئ في فهما.
والشخصية النامية التي تعرف بالمكثفة، والمستمرة، والمدورة، يتم تصورها بطريقتين: "أولاهما: أن يكون الشخص متكافئاً مـع نفسه، أي منطقياً في صفاته، بحيث يمكن تفسيرها كلها بالحالة النفسية والمواقف، ولا يكون فيها تناقض غير مفهوم، فتكون مهمة القاص أن يوضح مـا هو مختلط مضطرب في المخلوق الإنساني، ويوازن اتجاهات قواه وينظمها، فالشخصيات تتطور في القصة، وقد تغير أفكارها ومسلكها بتقدم الأحداث، لكنها تظل واضحة الجوانب موضوعية.. والطريقة الثانية، يحرص فيها الكاتب على ألا يكون الشخص منطقياً مع نفسه في سلوكه".
لقد فشل الباحثون والنقاد في تحديد فوارق مقنعة بين الشخصية البسطة والشخصية النامية فـ "فورستر" يرى "المحك للشخصية المستديرة هو: هل هي قادرة على إثارة الدهشة فينا بطريقة مقنعة، فإذا لم تدهشنا تعتبر مسطحة، وإذا لم تقنع كانت شخصية مسطحة تحاول أن تبدو مستديرة".
وأرى أن مسألة الدهشة، مسألة نسبية، فما يبدو مثيرا لدهشتي، قد يراه الآخرون شيئاً عادياً، ومثلها مسألة الإقناع التي تحكمها عوامل نفسية وأيديولوجية تختلف من شخص لأخر. فالفرق بينهما لا علاقة له بهاتين المسألتين، فالشخصية النامية هي التي تحرك الأحداث نحو ذروة ما، أما البسيطة فهي التي تتحرك في الأحداث.
التسميات
نثر عربي حديث
