تعمد العلوم الإنسانية المختلفة إلى دراسة العلاقة الجدلية بين الإنسان والتاريخ واستيعاب أبعادها، من مثل ما تقدمه علوم التاريخ والأنثروبولوجية والاجتماع وغيرها من نظريات ومعارف ورؤى مختلفة ،وذلك في محاولة لتفسير العلاقة المركبة بين الإنسان من جهة، والمنظومة التاريخية والثقافية من جهة أخرى.
والرواية ذلك الجنس الأدبي النثري السردي التخيلي، تحاول التقاط ما هو جوهري وجدلي في علاقة الإنسان بالتاريخ، لتسهم بشكل فاعل وحاضر في تقديم صورها لهذه العلاقة وفق منظورها الفني الخاص، وضمن حقول الفن والآداب المختلفة، جنباً إلى جنب مع العلوم الإنسانية الأخرى.
وإذا كانت الرواية بشكل عام "هي تاريخ متخيّل داخل التاريخ الموضوعي" ـ كما يرى أحد النقاد، فإن لنا أن نلتمس الخيط الذي يشد الرواية إلى التاريخ عبر اشتراكهما بالعناصر الرئيسية: الإنسان والزمان والمكان، وأكثر من ذلك اشتراكهما بالقصّة أو الطابع القصصي.
والرواية الأدبية إذ تفرز الرواية الاجتماعية والرواية الواقعية بأنواعها، والرواية الجديدة، والرواية التاريخية وغيرها، فإنّ لهذه الأخيرة علاقة خاصّة بالتاريخ، مستمدة من موضوعها وأسلوبها، فالرواية التاريخية تشترك مع الرواية الأدبية ـ بصورة عامّة ـ في وجود بنية تاريخيّة تتأسس عليها، بمعنى وجود فضاء وأحداث وشخوص كما في الواقع، إلاّ أن الرواية التاريخية تنطلق من أحداث وذوات حقيقية مختلفة في الغالب، وتشكل جزءاً من تاريخنا وماضينا الممتد حتى اللحظة الراهنة.
فالرواية ابتداء تقوم على بنية زمنية تاريخية، تتشخص في فضاء تاريخي، يمتد من الماضي وحتى اللحظة الراهنة أو القادمة، تضيئه أحداث تحييها شخصيّات إنسانية فنيّة، حيّة وكاملة.
والرواية تعمل على استكناه وحدة الجوهر الإنساني الثابتة عبر امتداد التاريخ، في سبيل التقاط كل ما هو إنساني وأصيل وصادق، وهي إذ ذاك تستدخل نظرة علوم الاجتماع والتاريخ والفلسفة وعلم النفس لتدرس من خلالها أعماق النفس البشرية وكينونتها التاريخية والاجتماعية.
ومن الصعب في تمهيد كهذا الإحاطة بمختلف القضايا والإشكاليات التي يطرحها "تصور الرواية التاريخية "في أدبنا العربي الحديث والمعاصر، بل إن الإحاطة بمختلف الأسئلة المتصلة بالرواية العربية عموماً، تتنوع وتتعدد بحسب المقتضيات النظرية والتعبيرية التي تخص سؤال الكتابة وإنجازاته التخيلية، وهذا ما يجعل أسئلة الرواية متجددة باستمرار ليبقى النثر الروائي إسهاماً معرفياً وثقافياً مخصّباً للرغائب والأحلام والذوات.
عبد الله الخطيب
التسميات
نثر عربي حديث
