تعددت آراء القائلين بتحريم التأمين التجاري واختلفت أدلتهم محاولة في بيان وإدراك حقيقته, معتمدين في ذلك على القواعد والأحكام والأصول الشرعية ومستدلين بها، ولو لم يكن في التأمين التجاري إلا انه أخذ مال الغير بغير حق ويحدث ذلك فيما إذا لم يحدث الخطر المؤمن ضده واستفراد المؤمن بمبلغ التأمين كاملاً فضلاً عن أن الأخطار لا تحدث إلا للفئة القليلة من المؤمنين لكان ذلك كافياً لتحريم التأمين التجاري بجميع أشكاله.
ونحن هنا سنحاول عرض بعض تلك الآراء والفتاوى:
رأي الدكتور عيسى عبده: ويتلخص فيما يأتي:
التأمين التجاري حرام قطعاً ذلك أنه ولو كانت آثاره القريبة من تخفيف وقع الضرر على الفرد المستأمن فأن آثاره البعيدة المدى أشد خطورة من كل ما عرفته المدنية المادية المعاصرة من وسائل إذلال الشعوب لإن شركات التأمين تتحكم بوسائلها هذه في مدخرات الأفراد والجماعات تحكماً يجعلها السلطان لا على الجماهير وحدها بل وعلى الحكومات.
ومن المعلوم أن الصهيونية العالمية تستعمل للسيطرة على العالم سلاحين قاطعين هما: التحكم في وسائل الإعلام والتحكم في السيولة المالية أو في أكثر فروع النشاط التجاري قدرة في هذا المضمار وظيفة التأمين التجاري وللتدليل على ذلك نقول إن شركة واحدة من شركات التأمين الكبرى تملك قدرة مالية تفوق مجموعة المصارف في بلدها.
الشيخ الدكتور/ يوسف القرضاوي والذي يتلخص رأيه في:
هناك من يمنعون التأمين التجاري والتأمين على الحياة, وأكثر الفقهاء يمنعونه وأنا منهم وأما التأمين على الممتلكات وعلى الأشياء والأموال أقرب إلى الحل وذلك يجوز في عصرنا إلى أن يوجد البديل الإسلامي الخالص.
وهنا المفروض أن تكون محاولاتنا في البديل الإسلامي الذي يطلق عليه التأمين التعاوني.
مجلس المجمع الفقهي بمكة:
حيث يعرض الكثير من الأدلة على تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواءً كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك، جاء ذلك في قرار المجلس رقم (55) في دورته العاشرة بمدينة الرياض بتاريخ 4/4/1997م بالإجماع عدا الزرقاء جاء فيه: وبعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه سواءً كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك للأدلة الآتية:
- الأول:
عقد التأمين من عقود المعاوضات المالية الاجتماعية المشتملة على الغرر الفاحش لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى أو يأخذ فقد يدفع قسطاً أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن وقد لا تقع الكارثة أصلاً فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئاً وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي و يأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي (ص)النهي عن بيع الغرر.
- الثاني:
عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها ومن الغُنْم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ فأن المستأمن قد يدفع قسطاً من التأمين ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين وقد لا يقع الخطر ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قماراً ودخل في عموم النهى عن الميسر في قوله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}المائدة (90).
- الثالث:
عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة؛ فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل, والمؤمن يدفع للمستأمن بعد مدة فيكون ربا نسأ وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسأ فقط وكلاهما محرم بالنص والإجماع.
- الرابع:
عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم لأن كلاً منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة الإسلام وظهوره وقد حصر النبي(ص) رخصة الرهان بعوض في ثلاثة, بقوله (ص) (لا سبق إلا في خف أو حافر) وليس التأمين من ذلك ولا شبيهاً به فكان محرما.
- الخامس:
عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل و الأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم , لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء (29).
- السادس:
في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعاً فأن المؤمن لم يحدث الخطر منه ولم يتسبب في حدوثه وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له والمؤمن لم يبذل عمل للمستأمن فكان حراماً.
الدكتور/ سليمان بن ثنيان:
بعد استعراضه أدلة المحرمين للتأمين التجاري ومناقشتها وكذلك المجيزين خرج بالترجيح إلى القائلين بالتحريم (تحريم التأمين التجاري) ملخصاً أسبابا لذلك تتلخص فيما يلي:
1- التأمين التجاري يوقع المسلمين في حرج عظيم في دينهم بارتكاب كثيراً من المحرمات كالربا والقمار والغرر والأخذ بالقوانين الوضعية بدلاً من حكم الله {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة (50).
2- يفوت التأمين على المسلمين مصالح دينية عظيمة كالتوكل على الله - تعالى- والصبر في البأساء والضراء, وعند الابتلاء, احتساباً لوجه الله - سبحانه.
3- التأمين غش وخداع وكذب واحتيال لسلب أموال الناس وإلا فإن الأمن إلى الله - وحده - وليس إلى أحدٍ سواه, كما قال تعالى {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} الأنعام(17).
4- التأمين التجاري يخالف حكم الله – سبحانه - في الميراث فإنه إذا مات المؤَمن عليه صرف مبلغ التأمين المستحق له وأعطي للمستفيد من المحدد في العقد ولو لم يكن له أدنى صلة بالمؤمن عليه من غير اعتبار عندهم لحكم الله - سبحانه - المحدد في الميراث قال تعالى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} المائدة (44).
5- التأمين التجاري بيع نقود في الذمة بنقود في الذمة, فهو بيع دين محرم في شرع الله - سبحانه.
وأما الشيخ / فيصل مولوي فإنه يقسم العقود الشرعية إلى:
1- عقود المعاوضات:
وهي التي يكون فيها بين طرفي العقد تبادل في الأموال أو المنافع أو الخدمات بحيث أن كل طرف يأخذ ويعطي وذلك كعقد البيع, حيث يأخذ المشتري الشيء المبيع ويأخذ البائع الثمن, وعقد الإيجار حيث يأخذ المؤجر الأجرة بينما ينتفع المستأجر بالمأجور, وعقد الصرف حيث يأخذ كلاً من الطرفين مالاً مقابل المال الذي يعطيه وهكذا.
2- عقود التبرعات:
وهي التي يلتزم فيها أحد الطرفين بتقديم مالاً أو منفعةً أو خدمةً للطرف الثاني الذي لا يكون ملتزماً بشيء كالهبة أو الوصية، وإذا كانت عقود المعاوضات والتبرعات تدخل كلها تحت اسم العقود وتكون أركان العقد فيها واحدة إلا أن عقود المعاوضات تمتاز بشروط إضافية لتكون صحيحة ومشروعة.
هذه الشروط تدور حول ضرورة تحقق التوازن بين العوضين، ولأجل هذا التوازن حرم الاحتكار وتلقي الركبان وأن يبيع حاضرٍ لباد، وحرم بيع الغرر، وبيع ما في بطن الناقة وبيع الطير في الهواء أو السمك في الماء، ليس فقط من أجل الجهالة التي تفضي إلى النزاع ولكن من أجل انعدام التوازن بين من يعطي ومن يأخذ.
وأما المعاوضات فهي نوعان:
أ- المعاوضة في الأموال الربوية: وهي الذهب والفضة والبر والتمر والملح ونحوهما، وهذه يشترط فيها التماثل الكامل (يداً بيد مثلاً بمثل فمن زاد أو استزاد فقد أربى).
ب- المعاوضة في الأموال الأخرى: بيع بضاعة بثمن، أو بضاعة ببضاعة أخرى, أو تقديم خدمة بأجر معين، وهذه لا يشترط فيها التماثل, وإنما يحرص الإسلام فيها على التوازن بحيث يحقق كل طرف مصلحة تقارب مصلحة الطرف الآخر.
ويصل من ذلك العرض إلى أن عقد التأمين التجاري ليس من عقود التبرع وإلى أنه من عقود المعاوضات (مبادلة مال بمال)، ويصل إلى القول (وفي عقد التأمين التجاري فإن القسط الذي يدفعه المستأمن محدد معروف، أما ما تدفعه الشركة فهذا تدخل فيه الجهالة والاحتمال وليس ضرورياً أن تكون الجهالة بالمقدار فقط فإن المقدار محدد لدى شركات التأمين, ولكن الجهالة في دفعه أو عدم دفعه، وهي جهالة أكبر، وهي تشبه ضربة الغائص قد يخرج بشيء وقد لا يخرج بشيء).
التسميات
تأمين تجاري
