يمكن إيجاز وإجمال آراء هذا الفريق الذي فيهم (الدكتور/ مصطفى الزرقاء، والشيخ/ علي الخفيف والدكتور/ نصر فريد واصل، والأستاذ / علي جمعة) بأنهم استندوا إلى القياس في الحكم والرأي الذي توصلوا إليه والتي تتلخص هذه الآراء في:
1- أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الدليل الشرعي على تحريمه بقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) البقرة(29).
فالله خلق كل شيء على وجه الإباحة لخلقه، إلا ما استثناه الدليل بالتحريم, ومن هذه المباحات العقود، وعقد التأمين واحد منها، ولم يرد نصاً بخصوصه بالتحريم.
2- القول بضمان خطر الطريق وهو مذهب الحنفية، وحقيقته: أن قول الإنسان لآخر اسلك هذا الطريق فإنه آمن، فإن كان مخوفاً وأخذ مالك فأنا ضامن، فإذا سلكه وأخذ ماله فإنه يضمن عند الحنفية، وبذلك فإنهم يرون الشبه بين التأمين وخطر الطريق بما يسمح بقياس التأمين عليه.
فإلتزام ضامن خطر الطريق هو عين التزام شركة التأمين, لضمان المؤمن عليه عند وقوع الخطر، وبما أن ضمان خطر الطريق جائز شرعاً فكذلك شركات التأمين.
3- أنه يشبه عقد الإجارة في الحراسة، فالحارس الأجير يحقق الأمان لمن استأجره، والتأمين يحقق الأمان والاطمئنان للمؤمن لهم.
وفيه يبذل المستأمن جزءاًً من ماله في سبيل الحصول على الأمان، من نتائج الأخطار التي يخشاها، إذاً وكذلك التأمين.
4- يرى المجيزون أن هناك شبهاً بين الجعالة والتأمين ذلك أن الشخص في الجعالة - كما يرون - يلتزم بدفع مبلغ من المال لمن يقوم له بعمل معين، وفي التأمين يلتزم المؤمن بدفع مبلغ التأمين للمؤمن له إذا قام بعمل معين هو دفع الأقساط، وبما أن الجعالة جائزة شرعاً فكذلك عقد التأمين.
والجعالة في الشرع هي ما يجعل الإنسان مقابل عمل ما ويعرفها المجيزون لها: بأن يجعل له أجراً معلوماً، على أن يعمل له في زمن معلوم أو مجهول ما فيه منفعة للجاعل بتمامه، حيث إذا أتم العمل كان له الجعل كله وإذا لم يتمه فلاشيء له عند المالكية، أما الشافعية فهي عندهم التزام عوض معلوم على عمل معلوم أو مجهول يعسر ضبطه, وعند الحنابلة تسميه مالٌ معلوم لمن يعمل للجاعل عملاً مباحاً ولو مجهولاً أو مدة ولو مجهولة.
5- هناك البعض يقيسون التأمين على الوديعة بجامع المصلحة في كل, فكما تستفيد الشركة المؤمنة من الأقساط المتجمعة لديها مقابل ضمانها المؤمن عليه، يستفيد المودع إليه من أجره حفظ الوديعة وهو يضمنها إن تلفت.
6- مما استدل عليه المجيزون للتأمين قياسه على السلم فقالوا إن الشارع أجاز السلم نظراً لحاجة الناس إليه رغم ما فيه من الجهالة، حيث أنه بيع معدوم. والناس كذلك في حاجة إلى التأمين، فيكون جائزاً كالسلم, رغم ما قد يكون فيه من المحاذير, والسلم في الشرع (هو أن يسلم عيناً حاضرة في عوض موصوف في الذمة إلى أجل).
7- قياس التأمين على المضاربة، ذلك أنه في المضاربة يدفع صاحب المال رأس المال إلى المضارب ليتاجر به ويكون الربح بينهما تراضياً، وفي التأمين يدفع المؤمن لهم أقساط التأمين ليتاجر بها المؤمن ويكون مبلغ التأمين الذي يدفعه المؤمن عند وقوع الخطر هو ربح المؤمن لهم، وتكون أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن له هي ربح المؤمن، وبما أن المضاربة جائزة شرعاً فكذلك التأمين يكون جائزا.
8- قياس التأمين على عقد الموالاة حيث يحتج المجيزون بقياس بعض صور التأمين (المسؤولية) على عقد الموالاة في مذهب من أجازة من العلماء بجامع أن المؤمن يتحمل عن المؤمن له مسؤوليات الأحداث المؤمن ضدها مقابل الأقساط، كتحمل العربي المسلم جنايات حليفه مقابل إرثه إياه في كل من العقدين، جهالة وخطر، فلا يعلم أيهما يموت قبل صاحبه.
9- قياس التأمين على قاعدة الالتزامات والوعد الملزم, فكما يتحمل الواعد عند المالكية خسائر الموعد التي التزم بها، يتحمل المؤمن ما التزم به للمؤمن له في حادث معين محتمل الوقوع بطريق الوعد الملزم فيجوز التأمين كما جاز الوعد.
10- مما احتج به المجيزون للتأمين قياسه على نظام العواقل في الإسلام فيقولون أن الشارع قد أقر وألزم العاقلة بتحمل دية الخطأ لما في ذلك المصلحة والتعاون، فما المانع من فتح باب لتنظيم مثل ذلك وجعله إلزامياً بطريقة التعاقد والإرادة الحرة، كما ألزم به الشارع دون تعاقد.
وهل المصلحة التي ألزم بها الشارع لعظمها تكون مفسده إذا حققها الناس على نطاق واسع بطريق التعاقد والمعاوضة.
11- قياس عقد التأمين على نظام المعاشات والتعاقد, فيقولون أن نظام التأمين كنظام التعاقد، حيث يدفع الموظف في نظام التعاقد جزءً يسيراًُ من المال ويجني من ورائه مبلغاً كبيراً كراتب شهري بعد التقاعد، كما يدفع المؤمن له مبلغاً يسيراً لشركة التأمين، وإذا وقع الحادث أخذ مبلغاً كبيراً، وكلا العقدين تحيط بهما الاحتمالات من كل جانب، بل إن الغرر في نظام التقاعد أعظم منه في التأمين.
ونظام التقاعد يقره علماء الشريعة كافة من غير نكير أو شبهه، بل إنهم يرونه ضرورياً من وظائف الدولة ومصلحة عامة لابد منها شرعاً وعقلاً وقانوناً.
فإذا أجاز العلماء هذا النوع من التأمين, فالتأمين التجاري جائز مثله.
12- يقولون بجواز التأمين بناءً على العرف حيث أن التأمين انتشر في العالم وأصبح عرفاً عاماً, والعرف العام أصلاً في الشريعة الإسلامية يصلح أن يستدل به على جواز المتعارف عليه، فيكون التأمين جائز بالعرف.
13- يقولون بإباحة التأمين بالتعاون وأنه من التعاون على البر والتقوى، وأن التأمين ما هو إلا مجرد انضمام عدد كبير من الناس إلى اتفاق تعاوني منظم ضد خطر يهدد الجميع. وشركة التأمين ما هي إلا وسيط ينظم هذا التعاون، فيكون التأمين جائزاً كأي نظام تعاوني شرعه الإسلام.
14- جواز التأمين بناءً على المصلحة المرسلة وأنها أحد الأدلة الشرعية التي تبنى عليها الأحكام، فإذا وجدت مصلحة ظاهرة ملائمة لتصرفات الشرع جاز بناء الأحكام إستناداً إليها - وعليه - حسب رأيهم - أن التأمين يحقق مصالح عامه مهمة، فيكون حكمه الجواز شرعاًُ اعتباراً لما يحققه من المصالح العامة, ففي جواز التأمين تيسيرً على الناس ودفع للحرج والعسرة عنهم.
ومما تقدم نستطيع القول بأن ما ورد بأن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الدليل الشرعي على تحريمه يناقض نفسه حيث أنه قد ورد تحريم الغرر والربا وأكل الأموال بالباطل، كما أن قياس التأمين على الإجارة ينافي الإجارة مقابل عمل والتأمين مقابل نقود مؤجله مجهولة المقدار تدخل في الحرام.
وأما قياس التأمين على الجعالة وبينهما فروقاً واضحة منها أن الجعل لايدفع إلا بعد تمام العمل ويدفع دون أي احتمال ويرتبط بوقت إنهاء العمل ويشترط أن يكون العمل مباحاً بعكس التأمين الذي يدفع بمجرد حدوث الخطر المؤمن ضده ويخضع لاحتمالية فقد يتحقق وقد لا يتحقق كما أنه قد يحدد سلفاً وقت دفع تعويض التأمين.
كما أن قياس التأمين بالوديعة التي تعرف بأنها (المال المدفوع إلى الغير لأجل حفظة (توكيل بحفظ المال)) لا يمكن فهمه كون يد الوديع على الوديعة يد أمانة لا يد ضمانة وتقوم على التبرع وتبقى ملكيتها لصاحبها يستردها متى شاء كما أن ضمانها ضماناً لما في اليد والحوزة بعكس التأمين التجاري الذي تصبح الأقساط المدفوعة ملكاً للشركة كما أنه يقوم على المعاوضة والصرفة، وبالتالي لا يمكن القول بان هناك علاقة بينهما.
كما أن قياس التأمين بالسلم الذي هو (بيع يعجل فيه الثمن ويؤجل فيه المبيع) وهو جائز شرعاً ينافي الواقع حيث يشترط في السلم اختلاف البدلين وتسليم الثمن فوراً وأن يكون زمان التسليم فيه معلوماً بعكس التأمين الذي يتساوى فيه البديلين وذلك بالحرام كما أن الثمن يدفع على أقساط متفاوتة الزمن ولا يكون فيه زمن التسليم معلوماً لأنه يسلم مع وقوع الخطر، كما أن السلم يكون لسد حاجة الفقراء من المزارعين ومساعدتهم بعكس التأمين الذي يعتبر حاجة متكلفة مصطنعة، وكذلك شروط التأمين التي تعتبر شروط إذعان تخدم طرفاً واحداً على حساب الطرف الآخر.
كما أن قياس التأمين على المضاربة يخضع لبنود كثيرة توصل إلى وجود الاختلاف بينهما.
ففي المضاربة يبقى المال للمالك والمضارب يعمل فيه بعد الاتفاق على توزيع الأرباح بعكس التأمين الذي يكون فيه المال ملكاً للشركة وكذا تفردها بالأرباح.
كما أن التأمين من عقود الإذعان ويؤدي إلى أكل أموال المستأمنين بالباطل في حال عدم حدوث الخطر المؤمن ضده وكذا الأرباح الناتجة عن استثمار تلك الأموال والتي تتفرد بها الشركة (المساهمين) لا يعتبر مصلحة مرسلة إلا لمصلحة المساهمين وتحقيق أهدافهم.
كما أنه يختلف عن معاشات التقاعد التي تدفع من بيت مال المسلمين دون مقابل.
وبذلك نخلص إلا أن الأدلة التي جاء بها من يجيزون التأمين في وقت لم يتمكنوا فيه من تحليل حقيقة التأمين ومعرفة تفاصيله، كما أنها جاءت بجوازه في زمن لم يتمكن فيه من صياغة وبلورة البديل المباح الذي يتوافق والشريعة الإسلامية كالذي حدث مع البنوك والذي حدث فيها إدراك ضرورتها وبالتالي منازعة من يقول بتحريمها إلى أن تم صياغة البدائل والطرق الإسلامية من عمل البنوك وتم إنشاء بنوكاً تعمل وفق الصيغ الإسلامية وتخضع كشركات التأمين الإسلامية لرقابة الهيئة الشرعية فيها.
كما أن هناك أسباباً للخلاف في الحكم على عقد التأمين تتمثل في جهل بعض المتنكرين للشريعة الإسلامية بقواعدها العظيمة وأصولها والعجز عن إدراك كنوزها وفهمها فهماً (على غير حقيقتها).
وكذلك عرض التأمين بصورة تخالف حقيقته وقيام شركات التأمين بالدعاية المظللة في بلاد المسلمين توعز أنه حلالاً.
وكذا الجرأة على الفتوى من غير أهلها وتبني كثيرا من الدول الإسلامية للاقتصاد الغربي دون الإسلامي, كما أن المتسبب في هذا التضليل هم المستفيدون من بقائه.
التسميات
تأمين تجاري
