الفروق بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني.. قصد المؤمن عليهم. الالتزام. محل الاسترباح. كيفية إدارة التأمين

ذهب عامة العلماء المعاصرين إلى تحريم التأمين التجاري وجواز التأمين التعاوني، وقد أخذ بهذا القول معظم هيئات الفتوى الجماعية، كهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية ومجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة، ومجمع الفقه التابع للمنظمة، وغيرها؛ وذلك لما يشتمل عليه التأمين التجاري من الغرر والمقامرة وأكل المال بالباطل، بخلاف التأمين التعاوني فإن مبناه على التكافل والتضامن.

وإن الناظر بعين الإنصاف في واقع صناعة التأمين اليوم ليدرك ما في هذا القول من التوسط والاعتدال، ومدى موافقته لمقاصد الشريعة الإسلامية، يتحقيق مصالح الناس وسد حاجاتهم دون غبن أو ضرر.

وإحصائيات التأمين أوضح شاهدٍ على ذلك، ففي نظام التأمين التجاري تتكدس الأموال الطائلة لدى شركات التأمين في مقابل تعويضات تعد يسيرة مقارنة بما تحققه من أرباح، مما نتج عنه استئثار الأقلية الثرية بمزايا التأمين وخدماته، بينما الأكثرية الفقيرة محرومة منها لكونها غير قادرة على تحمل أقساط التأمين.

وقد أوهمت تلك الشركات الناس أن لا مجال لتفتيت المخاطر إلا بهذا الأسلوب، وهو أمر تكذبه تجارب التأمين التعاوني التي طبقت في عددٍ من الدول المتقدمة فكانت أكثر نجاحاً وتحقيقاً لأهداف التأمين من شركات التأمين التجاري.

ويتضح الفرق بين هذين النوعين في كون نظام التأمين التجاري قائماً على أساس أن تتولى إدارة التأمين شركة مستقلة عن المؤمن عليهم، وتستحق هذه الشركة جميع أقساط التأمين في مقابل التزامها بدفع مبالغ التأمين عند استحقاقها، وما يتبقى لديها من فائض أقساط التأمين فإنها لا تعيده للمؤمن لهم، لأنها تعتبره عوضاً في مقابل التزامها بالتعويضات المتفق عليها، وإذا لم تفِ الأقساط المحصلة لدفع كل التعويضات فلا يحق لها الرجوع عليهم بطلب زيادة أقساط التأمين.

بينما في التأمين التعاوني يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة، ويدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز.

ولا مانع من أن يتولى إدارة التأمين التعاوني جهة مستقلة عن المؤمن لهم أنفسهم وأن تتقاضى أجوراً أو عمولات مقابل إدارتها للتأمين، ولا يمنع كذلك من أن تأخذ جزءاً من أرباح استثمارات أموال التأمين بصفتها وكيلاً عنهم في الاستثمار.
 
وبهذا يظهر أن شركة التأمين في كلا النوعين قد تكون شركة منفصلة عن المؤمن عليهم ، كما أنها في كليهما قد تكون شركة ربحية -أي أنها تهدف إلى الربح-، ويظهر الفرق بين النوعين في ثلاثة أمور رئيسة:

الفارق الأول ( في قصد المؤمن عليهم):
فالأقساط المقدمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني يقصد منها التعاون على تفتيت الأخطار، تأخذ هذه الأقساط صفة الهبة (التبرع).
أما التأمين التجاري فهو من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية.

الفارق الثاني (في الالتزام):
ففي التأمين التجاري هناك التزام تعاقدي بين شركة التأمين والمؤمن لهم، إذ تلتزم الشركة تجاه المؤمن عليهم بدفع التعويضات، وفي مقابل ذلك تستحق كامل الأقساط المدفوعة، بينما في التأمين التعاوني لا مجال لهذا الالتزام، إذ إن التعويض يصرف من مجموع الأقساط المتاحة، فإذا لم تكن الأقساط كافية في الوفاء بالتعويضات طلب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم لتعويض الفرق، وإلا كان التعويض جزئياً بحسب الأرصدة المتاحة.

الفارق الثالث (في محل الاسترباح):
فلا تهدف شركة التأمين التعاوني إلى الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين التي يدفعها المؤمن لهم وتعويضات الأضرار التي تقدمها الشركة لهم، بل إذا حصلت زيادة في الأقساط عن التعويضات المدفوعة لترميم الأضرار ترد الزيادة إلى المؤمن عليهم، أو تبقى هذه الزيادة لدى الشركة كاحتياطي لعمليات التأمين اللاحقة ولا تدخل في المركز المالي للشركة.

بينما الفائض في التأمين التجاري يكون من استحقاق شركة التأمين في مقابل التزامها بالتعويض تجاه المؤمن لهم.

الفارق الرابع (في كيفية إدارة التأمين):
ففي شركة التأمين التعاوني تكون العلاقة بين حملة الوثائق (المؤمن عليهم) وشركة التأمين (المؤمن) على الأسس التالية:

‌1- يقوم المساهمون في الشركة بإدارة عمليات التأمين، من إعداد الوثائق وجمع الأقساط، ودفع التعويضات وغيرها من الأعمال الفنية، في مقابل أجرة معلومة وذلك بصفتهم القائمين بإدارة التأمين وينص على هذه الأجرة بحيث يعتبر المشترك قابلاً لها.

‌2- يقوم المساهمون  باستثمار(رأس المال) المقدم منهم للحصول على الترخيص بإنشاء الشركة، وكذلك لها أن تستثمر  أموال التأمين المقدمة من حملة الوثائق، على أن تستحق الشركة حصة من عائد استثمار أموال التأمين بصفتهم المضارب.

‌3- تمسك الشركة حسابين منفصلين، أحدهما لاستثمار رأس المال، والآخر لحسابات أموال التأمين ويكون الفائض التأميني حقاً خالصاً للمشتركين (حملة الوثائق).

‌4- يتحمل المساهمون ما يتحمله المضارب من المصروفات المتعلقة باستثمار الأموال نظير حصته من ريح المضاربة، كما يتحملون جميع مصاريف إدارة التأمين نظير عمولة الإدارة المستحقة لهم

‌5- يقتطع الاحتياطي القانوني من عوائد استثمار أموال المساهمين ويكون من حقوقهم وكذلك كل ما يتوجب اقتطاعه مما يتعلق برأس المال.

بينما العلاقة بين حملة الوثائق وشركة التأمين، في التامين التجاري، أن ما يدفعه حملة الوثائق من أموال تكون ملكاً للشركة ويخلط مع رأس مالها مقابل التأمين. فليس هناك حسابان منفصلان كما في التأمين التعاوني.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال