التقنية خاصية إنسانية - أطروحة أوسولد شبنغلر.. تجاوز الحفاظ على الذات والاستمرارية للصراع مع الطبيعة من خلال الخلق والإبداع والتغيير والابتكار والسيطرة



في نظر شبنغلر، هناك بعدان اثنان للحياة الإنسانية: بعد حيواني (حيوي، إحيائي، بيولوجي)، وبعد إنساني (حياتي، تأملي، تخطيطي).

والتقنية ليست وسيلة هدفها صناعة الأدوات والآلات، بل هي خاصية تتجاوز البعد الإنساني لحياة الإنسان وتدخل في قلب البعد الحيواني لحياة الإنسان.

وهذه الخاصية المسماة "تقنية" هي نمط وجود قديم يرجع في أصله إلى أزمنة غابرة من الصعب تحديدها من الناحية التاريخية.

ويقوم هذا النمط الوجودي للإنسان على إستراتيجية وخطة، تتجاوز الحفاظ على الذات والاستمرارية، للصراع مع الطبيعة من خلال الخلق والإبداع والتغيير والابتكار والسيطرة... التقنية حسب شبنغلر هي "الشكل الداخلي الذي يعتبر الصراع مظهره الخارجي".

وعلى هذا الأساس، تفهم التقنية على أنها العلة التي دفعت الإنسان إلى الابتكار والاختراع والإبداع، ولا تفهم على أنها المنتج في حد ذاته.

يقول شبنغلر: "إن ما يهم ليس هو شكل الأشياء، ولا كيف نصفها، ولكن ما نفعله بها، وكيف نستخدمها.

فما يهم، ليس السلاح بل الحرب...التقنية هي مسألة سلوك مهتم وهادف، وليست أبدا أشياء وموضوعات، وهذا بالضبط ما يتم نسيانه... إن كل آلة ... تدين بوجودها إلى التأملات والاستباقات الخاصة التي تحرك هذه السيرورة".

من الواضح أن التقنية عند شبنغلر ليست أجهزة أو آلات أو مخترعات، بل هي تأملات واستبقات وأفكار دفعت الإنسان إلى أن يخترع ويبتكر ويبدع. الأصل في التقنية هو التأمل والتفكير وليس النتيجة.

فالنتيجة متغيرة متبدلة، أما الفكرة الأم فهي ثابتة مستقرة وهي الفكرة التقنية.
فعلى سبيل المثال الهاتف المتنقل بأشكاله وأنواعه وطرازاته المتعددة والمتغيرة ليس "تقنية" بل التقنية هي فكرة الاتصال عن بعد.

وهذه تدخل في صميم حياة الانسان منذ الأزمنة الغابرة دون أن نعرف منشأها التاريخي. بهذا المعنى عبارة "نمط وجود واستراتيجية استباقية للحياة" عند شبنغلر.