جبرائيل بن عبيد الله.. رسالة في عصب العين. مقالة في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيافرغما



جبرائيل بن عبيد الله:
هو جبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع، كان فاضلاً عالماً متقناً لصناعة الطب، جيداً في أعمالها، حسن الدراية لها، وله تصانيف جليلة في صناعة الطب، وكانت أجداده في هذه الصناعة كل منهم أوحد زمانه وعلامة وقته.
وقد نقل ابن أبي أصيبعة من كتاب عبيد اللَّه، ابن هذا المذكور، عن أخبار أبيه جبرائيل ما يلي: قال كان جدي عبيد اللَّه بن بختيشوع متصرفاً ولما ولي المقتدر رحمه اللّه، الخلافة استكتبه لحضرته وبقي مدة مديدة، ثم توفي، وخلّف والدي جبرائيل وأختاً كانت معه صغيرين، وأنفذ المقتدر ليلة موته ثمانين فرشا حمل الموجود من رحل وأثاث وآنية، وبعد مواراته في القبر اختفت زوجته، وكانت ابنة إنسان عامل من أجلاء العمال يعرف بالحرسون، فقبض على والدها بسببها وطلب منه ودائع بنت بختيشوع، وأخذ منه مالاً كثيراً ومات عقيب مصادرته، فخرجت ابنته ومعها ولدها جبرائيل وأخته وهما صغيران إلى عكبراء مستترين من السلطان، واتفق أنها تزوجت برجل طبيب وصرفت ولدها إلى عم كان له بدقوقاء وأقامت مدة عند ذلك الرجل وماتت، وأخذ ما كان معها جميعه، ودفع ولدها، فدخل جبرائيل إلى بغداد وما معه إلا اليسير، وقصد طبيباً كان يعرف بترمرة، فلازمه وقرأ عليه، وكان من أطباء المقتدر وخواصه، وقرأ على يوسف الواسطي الطبيب، ولازم البيمارستان والعلم والدرس، وكان يأوي إلى أخوال له يسكنون بدار الروم، وكانوا يسيئون عشرتهم عليه، ويلومونه على تعرضه للعلم والصناعة، ويمجنون معه، ويقولون يريد أن يكون مثل جده يختيشوع وجبرائيل وما يرضى أن يكون مثل أخواله، وهو لا يلتفت إلى مثل أقوالهم، بعد ذلك وصل خبره إلى عضد الدولة، وكان أول تبوئه ولايته شيراز، واستدعاه فحضر، وأحضر معه رسالة في عصب العين تكلم فيها بكلام حسن، فحسن موقعه عنده، وقرر له جار وجراية كالباقين، ثم إنه عرض لكوكين، زوج خالة عضد الدولة، وهو والي كورة جورقب، مرض واستدعى طبيباً فأنفذه عضد الدولة، فلما وصل أكرم موضعه وأجله إجلالاً عظيماً، وكان به وجع المفاصل والنقرس وضعف الأحشاء، فركب له جوارشن تفاحي وذلك في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة للهجرة، فانتفع به منفعة بينة عظيمة فأجزل له عطاءه وأكرمه ورده إلى شيراز مكرماً، ثم إن عضد الدولة دخل إلى بغداد وهو معه من خاصته، وجدد البيمارستان وصار يأخذ رزقين وهما برسم خاص ثلاثمائة درهم شجاعية؛ وبرسم البيمارستان ثلاثمائة درهم شجاعية؛ سوى الجراية، وكانت نوبته في الأسبوع يومين وليلتين، واتفق أن الصاحب بن عباد، رحمه اللَّه تعالى، عرض له مرض صعب في معدته فكاتب عضد الدولة يلتمس طبيباً، وكان عمله وفعله مشهوراً، فأمر عضد الدولة بجمع الأطباء البغداديين وغيرهم وشاورهم فيمن يصلح أن ينفذ إليه، فلما جمعهم واستشارهم، فأشار جميع الأطباء، على سبيل الإبعاد له من بينهم وحسداً على تقدمه، ما يصلح أن يلقى مثل هذا الرجل إلا أبو عيسى جبرائيل، لأنه متكلم جيد الحجة، عالم باللغة الفارسية، فوقع ذلك بوفاق عضد الدولة، فأطلق له مالاً يصلح به أمره وحمل إليه مركوب جميل وبغال للحمل وسيره، فلما وصل الري تلقاه الصاحب لقاء جميلاً وأنزله في دار مزاحة العلل بفراش وطباخ وخازن ووكيل وبواب وغيره، ولما أقام عنده أسبوعاً استدعاه يوماً وقد أعد عنده أهل العلم من أصناف العلوم، ورتب لمناظرته إنساناً، من أهل الري وقد قرأ طرفاً من الطب، فسأله عن أشياء من أمر النبض، فعلم هو ما الغرض في ذلك، فبدأ وشرح أكثر مما تحتمله المسألة، وعلل تعليلات لم يكن في الجماعة من سمع بها، وأورد شكوكاً ملاحاً وحلها، فلم يكن في الحضور إلا من أكرمه وعظمه، خلع عليه الصاحب خلعاً حسنة، وسأله أن يعمل له كناشاً يختص بذكر الأمراض التي تعرض من الرأس إلى القدم.
ولجبرائيل بن عبيد اللَّه بن بختيشوع من الكتب كناشه الكبير، الملقب بالكافي، خمس مجلدات ألفه للصاحب بن عباد، رسالة في عصب العين، مقالة في ألم الدماغ بمشاركة فم المعدة والحجاب الفاصل بين آلات الغذاء وآلات التنفس المسمى ذيافرغما، ألفها لخسروشاه بن مبادر ملك الديلم، مقالة في أن أفضل استقسات البدن هو الدم، ألفها للصاحب بن عباد، كتاب المطابقة بين قول الأنبياء والفلاسفة، مقالة في الرد على اليهود، مقالة في أنه لم جعل من الخمر قربان وأصله محرم.