وصف الأمطار والسيول في الشعر الجاهلي.. وصف مطر هطول بدأ ينهمر ليلا من عارض جلل السماء، والبرق يلمع من خلاله، كأنه الصبح المنير



يعد المطر واحداً من الموضوعات التي ترد في الشعر الجاهلي، وهو كغيره من الموضوعات نادر الورود في قصيدة مستقلة به وحده، ولكنه يأتي ملتصقا بموضوعات أخرى، كالطلل، والمرأة، والأوابد، والقرى، والقبر.

موضع المطر الأساسي:
في هذا الموضع يعنى الشعراء بملاحظة البرق، ومراقبة الغيم، ويتتبعون تحرك الرياح، ويرقبون الغيوم والسحب، وقدموا لنا لوحاتٍ فنيةً رسموا لنا فيها مشاهد المطر الرائعة.

إذ "ليس هناك ما هو أكثر جاذبية من وصف المطر في الشعر الجاهلي، لأن المطر أهم ما أقلق الشاعر الجاهلي وأحزنه، ولأن المطر -في الصحراء الكنود العقيم- أغلى من الدر. وأنفع من العسجد، ولأن المطر أجمل ما في حياة العربي، فكان نبع إلهامه، وسر فنه".

ونلاحظ أن المطر في هذه اللوحات الفنية غير ملتصق بغيره، بل إن غيره من الموضوعات جاءت رديفة له.

ويعرض علينا أوس بن حجر، شاعر تميم الكبير، مشهدا للسحاب، ونراه يصف لنا مطرا هطولا، بدأ ينهمر ليلا من عارض جلل السماء، والبرق يلمع من خلاله، كأنه الصبح المنير.

حقا لقد أجاد أوس وصف السحاب، وأعجب الأصمعي بهذا الوصف، فقال: لقد أحسن أوس في وصف السحاب.

فهو يتحدث عن إعجابه بمنظر المطر، وأنه قضى يتأمل السحاب، وهو يتجمع في السماء، والبرق يلمع في نواحيه، فيجعل الليل المظلم كالنهار المشرق، وكيف أن هذا السحاب كان يدنو حتى يكاد مَنْ قام أن يمسّه، ويدفعه براحته لقربه من الأرض... ويذكر أنه لما مر فوق جبل شطب في ديار بني تميم، كان البرق يلمع فيه... ولم تلبث ريح الجنوب أن هبت على أعالي هذا السحاب، فاضطربت أطرافه المثقلة بالماء، فأخذ المطر ينصبّ منها انصبابا، وكان الرعد يقصف في أعاليه، فتهتز أسافله. وتعجز عن حمل الماء، فينهمر منها المطر، وظل البرق يتلألأ في جوانبه، فكأنه ملاء بيض منشورة، أو مصابيح معلقة في السماء.

واستمر الماء ينهل من هذا السحاب ويسوق كل ما يعترضه على وجه الأرض، حتى غمر الأماكن المرتفعة والمنخفضة، فإذا من استتر منه في بيته كمن كان خارجه، فكلهم قد دهمه الماء، وإذا بعضه يتدفق في الرياض، وبعضه يستقر في القيعان، فتدب فيها الحياة، وتعشب، وتزهر.

تلك صورة عاصفة ممطرة، بدأت بمطر غزير، سال في البطاح، وغمر الوديان، حتى غطى كثيرا من الأشياء، وجعل الحيوانات تولى فزعة هاربة، وارتفع إلى مسافة كبيرة لدرجة أن الأشجار لم يظهر منها إلا رؤوسها، وبعد فترة أعقبه وابل منهمر، جاءت به ريح عاصفة فانسابت منه فيضانات عارمة، وسيول جارفة، ملأت كل الجهات، وضاقت عنها جميع الأمكنة. وقد امتطى فرسه القوي، وأخذ يسير به في أول هذا المطر، ليستمتع بمنظره البديع.