العولمة إذا كانت الظاهرة التي يعبر عنها بدأت تبرز للوجود مع بداية الحقبة التي تلت نهاية الحرب الباردة (1945-1989) وهي حقبة شهدت تحولا عميقا، هز الجهاز العصبي العالمي بأكمله، وانجلى ما انجلى من غباره حتى الأزمة المالية الحالية (شتاء2008-2009)، عن هيمنة واضحة لدول المركز بقيادة الولايات المتحدة، وفرض لنظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ وهو نظام في بعديه الاقتصادي والسياسي، يمثل آخر حلقة حتى الآن، من حلقات تطور النظام الرأسمالي الليبرالي، يطبعها تلاحق الثورات العلمية والتقنية، خاصة في مجالات الاتصال، والصورة، والمعلوماتية، المنطلقة من وسط المال والمختبرات ومراكز البحث العلمي التجريبي، التي تكرس جهودها للإنتاج والإنتاجية، دون اعتداد كبير بالأبعاد الإنسانية: الاجتماعية والروحية والنفسية للأفراد والجماعات، وفي سبيل ذلك تعمل على السيطرة على عالم الواقع لتحويله إلى مواد للإنتاج، وأسواق لتصريفه، والسيطرة على العالم الافتراضي، للتحكم في أذواق الناس ومشاعرهم، فهي عملية قائمة على تكثيف مد الأشخاص والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال، وما يؤطر هذا المد من دعاية وإعلام، وسلوك وفكر، تفتح كلها الأبواب أمامه ليشمل العالم بكامله ويجعله منسجما مع إيقاعه، وهي عملية أُطْلِقَ عليها مصطلحُ: العولمة، عولمةِ اقتصاد السوق الحرة، المتسم بـ"التداخل الواضح فيها بين أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك، دون اعتداد يذكر، بالحدود السياسية للدول، و(دون) انتماء إلى وطن محدد، أو دولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية(1)"، فالبعد الثقافي: الإعلامي المعلوماتي، محوري في نظام العولمة، إذ بالسيطرة على العالم الافتراضي عبر الأقمار الصناعية، وشبكات الاتصال، وثقافة الصورة، يتم تغيير الأفكار وزعزعة المعتقدات، وتحطيم الولاءات، بما تروجه من شعارات مثل: نهاية التاريخ، نهاية الإيديولوجيا، نهاية الجغرافيا، نهاية المثقف، موت التقدم، أو شعارات ما بعد الحداثة، القرية العالمية الواحدة، الاعتماد المتبادل لكسب معركة صدام الحضارات، وكلها تلح على أن الولاء لأمة أو وطن أو دين أو دولة أو مذهب، قد أصبح من مخلفات الماضي التي يجب نسيانها، واستبدالها بالفردية والحرية الشخصية، التي هي ثمرة "حضارة إنسانية" كونية يلزم الناس جميعهم اتِّباعها، لأنها تستجيب لنوازع طبيعية في الإنسان، ومن ثم فإن انتشارها حتمي، لابد من الرضوخ له، إن عاجلا أم آجلا، ولهذا ينبغي التحرر من عبودية الدولة القومية إلى ثقافة عالمية واحدة يتنافس فيها الناس والأمم جميعا، كل وقدراته، منفتحين على كافة الأفكار والشعارات، دون انحياز مسبق لأمة أو دين.
التسميات
عولمة