العولمة وتصدع التلاحم الاجتماعي.. تخلي الحكومات عن الإرادة السياسية المتعلقة بالميزانية المستقلة ذاتياً والخضوع إلى منطق أجنبي

في كل مكان في أوربا، يتصدع التلاحم الاجتماعي، بشكل خطير، إذ تتعزز في القمة طبقة ميسورة، أكثر فأكثر، ويحصل (90%) من الفرنسيين، على سبيل المثال، على (55%) من الثروة الوطنية"، في حين، تتعمق جيوب الفقراء، نحو الأسفل من الهرم، وأصبح معروفاً والحالة هذه أن الموظفين المجردين وقد همِّشوا، واستبعدوا، أصبحوا عاجزين عن استثمار الحرية الشكلية في العمل، على أن تقوم هذه الحرية مقام حقوقهم.
ينتج كل هذا في نطاق اقتصادي عام، حيث ينتصر المال، فالأسواق المالية تمارس نفوذاً هائلاً تماماً، وتفرض إرادتها على القادة السياسيين. ويمكن القول حديثاً: "تسيطر مائتا عائلة" على مصير فرنسا، كما يمكن التأكيد أن "مائتي مدير" يسيطرون على مصير الكرة الأرضية، في الوقت الحاضر. فقد تخلت الحكومات، حتى عن الإرادة السياسية، المتعلقة بالميزانية المستقلة ذاتياً، وقبلت الخضوع إلى منطق أجنبي تماماً، مما يتسبب في انشغال أو قلق اجتماعي لدى المواطنين.
إن السبب، بلا شك، هو أن السياسات ترضى بعد اليوم أن تخضع لهيمنة الاقتصاد، ودكتاتورية الأسواق، بحيث يتوسع النظام الديموقراطي على الكرة الأرضية دون عقبات وكل مشروع إصلاحي ديموقراطي حديث، يحارب بضراوة من بين أيديهم رأس المال، الحلفاء غالباً للقوات المسلحة. فمن الحرب الأهلية في إسبانيا (1936-1939) إلى قلب نظام الرئيس التشيلي سلفادور ألندي، في عام (1973) إلى غيرها من الأنظمة الديموقراطية، لا تنقصها الأمثلة، إنها سحقت كلها بصورة مأساوية، لأنها استعدت لخفض التفاوتات في المجتمع، وذلك بتوزيع أكثر عدلاً للثروة.
ولأنها أدركت أن عليها أن تقوم بتأميم القطاعات الاستراتيجية للاقتصاد "لتضعها تحت خدمة الشعب".

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال