إن البحث في تأريخ الهجرة على الصعيد العالمي يكشف عن وجود ثلاث موجات من الهجرة.
وتتمثل الموجة الأولى هجرات أوربية وأفريقية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وتتمثل الموجه الثانية في الهجرة الخارجية إلى أوربا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث لعبت هجرت اليد العاملة على نطاق واسع دوراً محورياً في النمو الاقتصادي لأوربا التي حطمت الحرب العالمية الثانية بنيتها التحتية.
كما تضمنت تلك الموجه الثانية هجرات إلى مجتمعات الخليج العربي بكثافة عالية مع بداية عقد السبعينات بعد أن تحققت عائدات بترولية عالية حيث شرعت هذه المجتمعات في تأسيس وتحديث الأبنية التحتية وهذا الأمر تطلب قوى عاملة مدربة تدريباً عالياً تم الحصول عليها من الدول المختلفة.
واستمراراً لذلك نجد بان الموجه الثالثة من الهجرة هي التي انطلقت إلى مجتمعات الخليج واستمرت ثلاثة عقود تقريباً بمعدلات عالية مع بداية السبعينات ثم بدأت تنخفض معدلاتها بصورة واضحة مع نهاية الألفية الثانية وتحولت إلى هجرة غير مشروعة بسبب ضغط المهاجرين من أجل الدخول مع عدم حاجة مجتمعات الخليج إلى هذه الهجرة لامتلاكها الكوادر الوطنية المؤهلة.
وامتداداً إلى هذا السياق التأريخي أصبحت المملكة العربية السعودية من أكثر مجتمعات الخليج تضرراً بسلبيات الهجرة الغير مشروعة.
فبالإضافة إلى كون المملكة العربية السعودية تعتبر مصدر جذب اقتصادي فإن موقعها ومكانتها الدينية جعلها منفذاً لاستغلال بعض ضعاف النفوس الذين يفدون بتأشيرات الحج والعمرة. ومن ثم يتخلفون وينتشرون في مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى باقي المدن.
هذا ناهيك عن تصرفات التسلل التي يقوم بها بعض المتسللين من الحدود الجنوبية للدخول بطريقة غير شرعية بحثاً عن العمل وكسب الرزق ن هذا إضافة إلى بعض فئات العمالة التي تدخل البلاد رسمياً بتأشيرات عمل ومن ثم تندرج تحت ظاهرة المخالفين لعدم التزامهم بتعليمات الارتباط بعقود العمل التي استقدموا على أساسها.
إن هذه الفئات من المتخلفين والمخالفين لأنظمة الاقامة والعمل يندرجون تحت ما يسمى الهجرة الغير مشروعة والتي تنقسم إلى أربعة أقسام من المهاجرين حسب الآتي:
1- الأشخاص الذين يدخلون إلى دول الاستقبال بطريقة غير قانونية ولا يتم تسوية وضعهم القانوني والمثال على ذلك تسلل العشرات من اليمن عبر الحدود الجنوبية السعودية والدخول بطريقة غير شرعية.
2- الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الاقامة القانونية والمثال على ذلك المتخلفين في المملكة العربية السعودية بعد أداء مناسك الحج والعمرة.
3- الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال الإقامة المسموح بها والمثال على ذلك قيام الوافدين لغرض الحج والعمرة أو الزيارة بممارسة مهنة البيع والشراء والعمل في مهن مختلفة.
4- الأشخاص الذين يعملون في المجال دون المنصوص عليها في عقد العمل والمثال على ذلك إقدام المئات من الذين يحملون تأشيرات عمل، مخالفة أنظمة العمل وذلك بالعمل في أعمال دون المنصوص عليها في عقد العمل.
إن الهجرة الغير مشروعة تتجه دائماً إلى الدول التي تمتاز بعوامل جاذبة اقتصادياً واجتماعياً بحثاً عن وضع أفضل اقتصادياً واجتماعياً برغم تحريم القوانين والقواعد لذلك.
وهم يقومون بهذه المخالفة بسبب البطالة والفقر وتختلف الأقطار المصدرة للعمالة وهي الأقطار التي تعاني من معدلات عالية من الزيادة السكانية ومستويات البطالة العالمية وانخفاض متوسط نصيب الفرد من اجمالي الدخل القومي.
وتعتبر المملكة العربية السعودية من الدول التي تمتاز بعوامل جاذبة للاقامة والعمل باعتبار أنها تمتلك ثروات مالية كعائدات بترولية، وتقع في مركز دائرة مجتمعات بها كثافة سكانية عالية وتعيش في مستويات اجتماعية واقتصادية متدنية كالهند وبنجلاديش وباكستان واليمن ومصر والسودان ونيجيريا وغير ذلك من الدول الفقيرة، الأمر الذي أدى إلى انطلاق موجات من البشر تحت ستار الحج والعمرة بفعل عوامل طاردة إلى المملكة العربية السعودية التي توجد بها عوامل جاذبة عديدة.
فلقد أظهر تقرير صدر عام 2004م عن المنظمة العربية للعمل ونشر في مجلة العالم الإسلامي بأنه يوجد 15.5 مليون وافد في دول مجلس التعاون الخليجي.
وتأتي المملكة العربية السعودية في مقدمة الدول الخليجية المستقبلة للوافدين من حيث الحجم حيث كان يوجد بها عام 2004م سبعة ملايين وافد يمثلون 30% من السكان حسب ما ورد في ذلك التقرير.
إن هذه الأعداد الكبيرة أدت إلى ظهور مشكلة مخالفة أنظمة الإقامة والعمل وذلك من حيث ان أعداداً كبيرة من الذين يأتون إلى العمرة أو الحج لا يعودون في الوقت المحدد، فالقادمون للعمرة يمكثون لأداء الحج وربما للعمل لعدة سنوات، وبعض الذين يفدون للحج يستمرون لسنوات أخرى، وكذلك بعض الذين يأتون للعمل يستمرون بعد انتهاء مدة الإقامة، ومنهم ممن يهرب من الكفيل إلى مساكن أو مدن أخرى، وبعض العمالة المنزلية كالخادمات والسائقين يهربون من كفلائهم ويجدون ملاذاً للتستر والاختباء.
إن هذه الظاهرة أدت إلى نشوء مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية أثرت سلباً على المواطن السعودي، فبالرغم من وجود العديد من الدراسات لمعالجة هذه المشكلة إلا أن المشكلة لا تزال مستمرة وفي حالة صعود سنوياً.
من هذا المنطلق فإن هذه الدراسة توضح الجوانب المختلفة لهذه الظاهرة التاريخية مع تقديم أنموذج مقترح موضحاً فيه الحلول الإجرائية القابلة للتطبيق للحد من تفاقمها وللتخلص من آثارها السلبية على المجتمع السعودي.
التسميات
هجرة