بعض طرق تهريب المهاجرين من سواحل شمال إفريقيا إلى دول أوربا

مع تنامي العزوف عن ركوب قوارب الموت، تفتقت عبقرية البعض من خلال ابتكار أساليب جديدة ومذهلة، لتهريب البشر إلى بلاد ما وراء البحر.

سيارات المسافرين تعبر تباعا إلى جوف الباخرة الكبيرة الراسية بميناء طنجة، بينما رجال الأمن والجمارك يؤدون عملهم، بكثير من الحيطة والحذر، خشية مغافلتهم من طرف بعض مهربي المحظورات.

كان انتباه رجال الأمن والجمارك مركزا على تجار المخدرات، أو حتى العملة، ولم يكن أحدهم يظن أو يعتقد أن السيارة العائلية الزرقاء، تخفي ثلاثة أشخاص لتهريبهم سرا إلى اسبانيا.

لم يكن يظهر للعيان أي أثر للمهاجرين السريين، ولولا الارتباك الذي بدا على السائق، لما انتبه أحد إلى ما وراء "الأكمة"، إذ انتظر رجل الجمارك إلى أن حان دور السائق للإدلاء بجواز سفره ووثائق السيارة، ثم بدأ يحوم حول السيارة، ويتفحصها بإمعان، قبل أن يطالب السائق بالنزول، ثم دخل إلى السيارة من أجل القيام باللازم.

1- حشو وتلفيف:
 استغرق الموظف وقتا طويلا في تفتيش السيارة، قبل أن يفاجأ بأول مهاجر سري متلبسا داخل غلاف المقعد الذي يجلس عليه سائق السيارة، وهو ما أثار، في بداية الأمر، شعورا بالضحك والسخرية، من الحيلة "الجهنمية" التي اهتدى إليها هذا المهرب المحنك لتمرير المهاجرين السريين من الميناء المحروس، دون أن ينتبه أحد.

استخراج المهاجر الأول، خلق حماسا لدى رجال الأمن والجمارك الذين تجمهروا حول السيارة، وعمقوا التفتيش لاستكناه أسرارها وخباياها، فانتهى الأمر إلى الكشف عن مهاجرين آخرين، كانوا محشوين بعناية داخل المقاعد الخلفية للسيارة.

التحقيق مع المتهم أسفر عن اعترافات تكشف نجاحه في عمليات مماثلة عدة، مشيرا إلى أنه "استنسخ" هذه الفكرة العجيبة من فيلم أمريكي، سبق أن شاهده في إحدى القاعات السينمائية، كما أقر المهاجرون السريون الموقوفون بدفعهم مبالغ مالية تقدر بثلاثة ملايين سنتيم إلى المهرب.

2- إبداع مستمر:
ظاهرة التهريب خطر اخترق العالم بأسره، أما الوسائل المستعملة في ذلك فهي كثيرة ومتنوعة وتصعب الإحاطة بها، فإلى جانب النقل في مخابئ الملابس والأمتعة الشخصية والبضائع، أصبح اللجوء إلى إخفاء المهاجرين السريين في السيارات الشخصية أكثر فعالية من قوارب الموت، إذ أسفرت "إبداعات" المهربين عن شحن السيارة العادية التي لا تتعدى مقاعدها خمسة أشخاص، بعشرة، بعد أن يتم "تلبيس" كل مهرب مقعدا، وإخفائه بطريقة غاية في التعقيد، وغالبا ما لا يثير الأمر أي شك لدى المصالح المكلفة بالمراقبة.

وتحتوي سجلات محاضر الحرس المدني بمراكز حدود الجارة الشمالية، إسبانيا، أو بعض مستعمراتها مثل سبتة ومليلية، وقائع عديدة لمحاولات تهريب البشر انطلاقا من بعض مدن المنطقتين الشمالية والشرقية، خصوصا طنجة والناظور، من أبرزها واقعة تهريب كبرى سجلت قبل ميلاد سنة 2007 بأقل من أسبوع، تم إحباطها عن طريق الصدفة في الساعة الثالثة صباحا.

وتكشف معطيات موثوقة أن الحرس المدني، في مدخل مدينة مليلية المحتلة، ضبط شاحنة محملة بــ38أجنبيا، أسفر التحقيق الذي بوشر بخصوص هذه القضية عن أن 32 منهم هنود و5 كاميرونيون وسوداني واحد، بعد تغيير طارئ في عناصر الفرقة التي كانت مكلفة بالمداومة في ذلك اليوم.

3- التهريب العابر للقارات:
سائق الشاحنة، المتحدر من سلا، الذي يعمل لفائدة إحدى مافيات تهريب البشر إلى أوربا بمدينة الناظور، حاول الفرار بمجرد رؤيته رجال الحرس المدني يقتربون من اكتشاف العملية، غير أنهم ركضوا خلفه بسرعة، وتمكنوا من إلقاء القبض عليه، قبل أن يقدموه إلى المصالح الأمنية للتحقيق معه.

وقد تبين أن الشاحنة المحجوزة، أثناء تفحصها من طرف لجنة أمنية إسبانية رفيعة المستوى، كانت  مخصصة، في الظاهر لنقل الرمال، لكنها، في واقع الأمر، تتوفر على طابق سفلي لا يرى، يتسع للعشرات من الأجساد الآدمية، ومجهز خصيصا لتأمين ظروف التهوية للمهاجرين السريين حتى لا يلقوا حتفهم اختناقا.

وتكشف المعطيات أن مشغل السائق المعتقل تنكر له، وجعله يتحمل مسؤوليته وحده، في الوقت الذي ذهب فيه المتهم كبش فداء لمافيات تتستر وراء أنشطة تجارية مختلفة، وتمارس في الأصل تهريب البشر. ووفق مصادر مطلعة، فإن أعضاء هذه المافيا ما يزالون يهربون البشر، مهاجرون سريون ورقيق أبيض، إلى القارة الأوربية.

4- تهجير الأدمغة:
ينتحل بعض الناشطين في تهريب البشر إلى أوربا، ببعض مدن الريف والشمال، صفة رجال أعمال مغاربة، للتستر على نشاطاتهم غير القانونية بأعمال تجارية ونحوها، والابتعاد عن الشبهات التي يمكن أن تحوم حولهم.

وتوجد في إحدى مدن المنطقة الشرقية، مثلا، شركة ظاهرها مزاولة أنشطة تجارية، وباطنها القيام بعمليات تهريب البشر، أغلب زبائنها من الآسويين، من بينهم مهاجرون سريون يحملون الجنسية الهندية، إضافة إلى الأوكرانيين والسودانيين.

وتستخدم (الشركة) شاحنات كبرى مجهزة خصيصا لتهريب البشر.
وتشير معطيات توفرت ل"مجلة الصباح"، أن أغلب المهاجرين السريين ينتمون إلى فئة الأطر العليا، مثل المهندسين وحاملي الشهادات الجامعية والديبلومات في تخصصات نادرة ومجالات معينة، وبمجرد وصولهم إلى القارة العجوز، يندمجون في سوق الشغل بسهولة كبيرة، وتخول لهم كفاءاتهم وتجاربهم الحصول على مناصب شغل ووظائف مهمة، سواء في بعض المرافق التابعة للدولة، أو في شركات ومؤسسات خاصة، حيث يستفيدون من أجور مهمة، لا سبيل لهم إليها في بلدانهم الأصلية.

ويتم تجهيز شاحنات خصيصا لنقل البشر وتهريبهم إلى الضفة الأخرى، ويسهر طاقم مختص على أن تتوفر هذه الشاحنات على وسائل التهوية التي تسمح للمهاجرين السريين بالتنفس والعيش تحت الرمال أو الأحجار المحملة ساعات طويلة، وضمان إفلاتهم من الاختناق إلى حين وصولهم إلى بر الأمان.

5- اختناقات ووفيات:
 كثيرا ما سجلت الأجهزة الأمنية أو الجمركية، سواء داخل التراب الوطني أو على حدود الثغور المحتلة، حوادث غير منتظرة، يعود لها الفضل في الزج بمهربين في غياهب السجون، وتتمثل في تعرض بعض المهاجرين السريين للاختناق أو الوفاة لتأثرهم بظروف معينة، سواء بسبب حرارة الطقس المرتفعة، أو درجة الحرارة المنخفضة، بالنسبة إلى الشاحنات المخصصة لتصدير الأسماك، والتي تتطلب مكيفات تحفظ درجات حرارة معينة تحت الصفر، وأحيانا أخرى لتشبع الهواء المستنشق بغازات أو مواد كيماوية قاتلة.

قصص وحكايات غريبة ينقلها العاملون في هذا المجال المفتوح على الغرائب، بعضها من يثير الحزن والرثاء، مثلما وقع لخمسة شباب متحدرين من إحدى المدن المغربية، عثر عليهم، أثناء عملية تفتيش، جثثا متجمدة من شدة البرودة، بعدما ظلوا يئنون ويصرخون، دون أن ينتبه إليهم السائق بفعل هدير محرك الشاحنة، التي كانت تسير بسرعة فائقة، قبل أن يكتشف أمرهم في الميناء، خلال عملية العبور.
محمد البودالي
أحدث أقدم

نموذج الاتصال