تعتبر مشكلة المتخلفين والمخالفين لأنظمة الإقامة والعمل من المشكلات المزمنة التي عانى منها المجتمع السعودي منذ عقود من الزمن.
فبالرغم من تطور المحاولات التنظيمية المتعددة لمعالجتها إلى أنها ما زالت مستمرة في النمو عاماً بعد آخر نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية، إضافة إلى الزيادة السنوية في أعداد الحجاج، وفتح باب العمرة على مصراعيه طيلة أشهر العام.
ومع تزايد الأعداد عاماً بعد آخر خاصة بعد موسم الحج وبعد شهر رمضان أصبحت هذه المشكلة على درجة كبيرة من التعقيد مما استدعى تشكيل لجان عديدة من قبل وزارة الحج ووزارة الداخلية وإمارات المناطق والجوازات وإدارة متابعة الوافدين (إدارة الترحيل) والشرطة وكافة الجهات ذات العلاقة لإيجاد الحلول لهذه المشكلة، خاصة وأن التقارير الأمنية أوضحت بأن هذه المشكلة أصبحت من الخطورة بحيث أنها تهدد أمن الفرد والمجتمع اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً والدليل ما تنشره الصفحات الأمنية يومياً من حقائق مصدرها الجهات الأمنية، وإدارات الشرطة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أن مخالفي أنظمة الإقامة والعمل يرتكبون جرائم لاأخلاقية وصلت إلى حد ترويج المخدرات والمسكرات والجرائم الجنسية والتهريب والسرقة والاعتداء على الممتلكات والأرواح.
من هذا المنطلق فان مشكلة البحث تكمن في أن المجتمع السعودي يواجه تحديات داخلية مستمرة على مر الأيام والسنين طالما أن عوامل الجذب الاقتصادي والاجتماعي مشجعة للإقامة غير المشروعة في المملكة العربية السعودية وطالما أن عوامل الطرد المتمثلة في الفقر والبطالة وتدني المستوى الاقتصادي والاجتماعي لا زالت تمثل معاناة لبعض الدول العربية والآسيوية والأفريقية الأمر الذي أدى ولا يزال إلى الإقامة والعمل بطريقة مخالفة للنظام للبحث عن الأمن الغذائي والعمل والدخل الاقتصادي بعيداً عن الرقابة من الجهات الأمنية.
فلقد ظهر في السنوات الخمس الماضية مشكلة أخرى زادت من حجم المشكلة وهي تزايد تخلف المعتمرين فكما أوضحت ندوة عكاظ الثلاثاء 1/6/1427هـ إلى أن أعداد المتخلفين في نهاية موسم العمرة عام 1426هـ وصل إلى 451 ألف معتمر أي قرابة نصف مليون في موسم واحد وهو رقم كبير مرعب أي ما يعادل 16% من أعداد المعتمرين الذين قدموا لأداء العمرة في ذلك العام تخلفوا عن العودة إلى أوطانهم.
وكما تبين التقارير المصرح بها في الصحف المحلية والعربية بارتفاع حجم المشكلة عاماً بعد آخر نظراً لتزايد أعداد المتخلفين عن العودة إلى أوطانهم فقد أصبحت هذه المشكلة محل اهتمام المسئولين عن الحج والعمرة ليس في المملكة العربية السعودية فقط وإنما في معظم البلدان الإسلامية والعربية.
فعلى سبيل المثال أوضحت صحيفة مأرب برس اليمنية بتاريخ الثلاثاء 14أغسطس 2007م في تصريح لمدير عام الحج والعمرة بوازارة الأوقاف اليمنية أنه من أصل (90) ألف معتمر عام 2006 تخلف عن العودة (44) ألف و(250) معتمراً. أي قرابة النصف تقريباً مما يدل بان اليمن من الدول المصدرة للمتخلفين والمخالفين لأنظمة الإقامة والعمل.
أما صحيفة الثورة السورية فقد أوضحت في صفحتها الأولى بتاريخ الأثنين 17/1/2005م أن السلطات السورية اتخذت مجموعة من الإجراءات بعد تخلف عدد كبير من المعتمرين السوريين، وصل إلى 26 ألف معتمر تخلفوا عن العودة في الأوقات المحددة، تخلفوا رغبة في أداء الحج قبل العودة إلى بلادهم، أي أنهم لم يعودوا إلى بلادهم بعد شهر رمضان بل استمروا في الإقامة لأداء الحج هرباً من تكاليف السفر إلى الحج ومن الإجراءات الإدارية.
ولقد اشارت صحيفة الجمهورية المصرية في عددها الصادر يوم الأثنين 7 من شعبان 1428هـ - 20 من أغسطس 2007 م إلى أن أعداد المتخلفين من العمرة في السنوات الماضية وصل إلى أعداد كبيرة حيث بلغ في أحد السنوات 140 ألف معتمر. أي نحو ربع المعتمرين تقريباً.
وهؤلاء يختفون عن الأنظار منذ أن ينتهي موسم العمرة حتى يأتي موسم الحج فيؤدون الفريضة وتبدأ مشكلات عودتهم بعد انتهاء حجوزاتهم في البواخر وأحياناً كثيرة لعدم وجود جوازات سفر لديهم بعد أن تركوها لدى مؤسسات وشركات العمرة.
والملاحظ بالفعل أن أعداداً كبيرة من المعتمرين المصريين يتخلفون سنوياً بعد شهر رمضان لأداء مناسك الحج، وللعمل قبل أداء مناسك الحد بل ان البعض منهم يتخلف بعد أداء مناسك الحج طمعاً في البقاء لسنوات أخرى داخل المملكة العربية السعودية، يقومون بذلك في ظل وجود المتسترين عليهم من أبناء جلدتهم المقيمين، ومن أصحاب العمل الذين لا يلتزمون بنظام العمل والعمال.
هذا بالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المتخلفين والمخالفين بعد أداء مناسك الحج ومعظمهم من أفريقيا والهند وباكستان وبنجلاديش وأندونيسيا وبعض الدول العربية.
وتكمن جوانب المشكلة فيما سوف نوضحه بالتفصيل في الصفحات القادمة من مخاطر وآثار سلبية تؤثر على المجتمع السعودي وعلى مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتتمثل في التقارير التي تنشرها الجهات الأمنية يومياً من جرائم وحوادث وسلوكيات لا أخلاقية يقوم بها المتخلفون بعد الحج والعمرة، والعمال والخدم والخادمات والسائقين والزائرين والمتسللين.
ومن ضمن هذه الجرائم والسلوكيات اللاأخلاقية، السرقة والنشل وترويج المسكرات والمخدرات ، وترويج الأفلام الخليعة والضرب والقتل والخطف والنصب والاحتيال والتزييف والتزوير ولعب القمار هذا بالإضافة إلى تشويه الوجه الحضاري للمدن بالتسول والافتراش تحت الكباري والأماكن العامة والافتراش حول المسجد الحرام وما سببه الافتراش في منى في سنوات ماضية من كوارث وفيات الجمرات، وآثار سلبية أخر تتمثل في نشر الأمراض والأوبئة، وأضرار اقتصادية تتمثل في منافسة المواطنين تجارياً ومهنياً.
ومع هذه المعاناة وهذه الآثار السلبية لمشكلة المتخلفين والمخالفين فان مما يؤسف له ان بعض المؤسسات الخاصة والمقاولون المعماريون يقومون بتشغيل العمالة الهاربة من أيدي العدالة كما أن بعض المواطنين والمقيمين يقومون بالتستر على العمال والخدم والخادمات بتوفير العمل لهم وتأمين الإيواء والسكن لهم أي وكأنهم يهيئون لهم المناخ الاجتماعي المناسب للاستقرار النفسي والاقتصادي، يقومون بذلك من منطلق الأنانية وحب الذات والمصلحة الخاصة دون الأخذ في الاعتبار المخاطر والمشكلات الأمنية التي يتضرر بها المواطنين وتعتبر بمثابة خروج عن طاعة ولاة الأمر في الامتثال بتطبيق الأوامر والتنظيمات حفاظاً على أمن الفرد والمجتمع وحفاظاً على رفاهية المجتمع السعودي ورقيه اقتصادياً واجتماعياً.
ولأن المعاناة من التخلف والمخالفة لا تزال مستمرة في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية لذا فإن مشكلة البحث تكمن في هذه المعاناة التي هي بحاجة إلى دراسة الأسباب من جذورها التاريخية والواقعية ومن ثم إيجاد الحلول الإجرائية المنطقية للحد من استمراريتها ومن ثم القضاء عليها.
التسميات
هجرة