التكوين الأساس والتكوين المستمر: الركيزة المنهجية لمواكبة تسارع المعرفة وتطوير الأداء المهني لأطر التربية والتكوين

التكوين الأساس والتكوين المستمر: ضرورة لمواكبة تسارع المعرفة

يُعدّ التكوين، بشقيه الأساس والمستمر، محوراً أساسياً لضمان جودة الأداء في قطاع التربية والتكوين. إن التسارع الهائل في مجال المعرفة والتكنولوجيا على المستوى العالمي يُلزم أطر هذا القطاع بمواكبة دائمة لمختلف المستجدات المعرفية والمنهجية، ليس فقط ليكونوا على دراية بها، بل لتطوير أدائهم المعرفي والميداني بشكل فعّال ومستمر. هذا التطور يضمن قدرتهم على نقل أحدث المعارف والمهارات للجيل المتعلم.


مفهوم التكوين وأنماطه:

تعريف التكوين:

يُمكن تعريف التكوين على أنه "التعليم المخصص لإكساب شخص أو مجموعة، معارف نظرية وعملية ضرورية لمزاولة مهنة أو نشاط". إنه عملية منظمة ومقصودة تستهدف تزويد المتكونين بالعدة المعرفية والمهارية اللازمة للانخراط بكفاءة عالية في مجال عملهم.

المقاربات التكوينية:

يُلاحظ وجود مقاربات مختلفة لتحديد طبيعة التكوين وأهدافه، أشهرها:

  • المقاربة الأنجلو سكسونية: تركز غالباً على التكوين التأهيلي (Qualifying Training)، الذي يهدف إلى تزويد المتكون بالكفاءات اللازمة للحصول على شهادة أو ترخيص لمزاولة مهنة، ويرتبط بشكل وثيق بالاحتياجات المباشرة لسوق العمل.
  • المقاربة الأوروبية: قد تركز بشكل أكبر على مفهوم التكوين التكميلي (Complementary Training)، الذي يُعنى بإضافة معارف ومهارات جديدة للمتكون بعد تكوينه الأساسي، مما يعزز من تخصصه ويُوسع آفاقه المعرفية والمهنية.

التكوين المستمر: استمرارية وتأمل

المفهوم والغاية:

إن مفهوم التكوين المستمر يتجاوز فكرة التكوين المناسباتي أو العرضي الذي يحدث فقط عند الحاجة الملحة. إنه يُحيل على الاستمرارية والامتداد، باعتباره مساراً دائماً ومرافقاً للممارسة المهنية.

التكوين المستمر ليس مجرد اكتساب معلومات جديدة، بل هو بمثابة لحظة للتأمل النقدي في التجربة المهنية والمفاهيم المكتسبة. يهدف إلى:

  • إعادة النظر في الممارسات والتجارب السابقة.
  • تحديث الأُطر النظرية التي يستند إليها الأداء المهني.
  • ضمان أن يكون التكوين مرافقاً للممارسة اليومية.
  • التحضير لـعطاء مستقبلي أفضل وأكثر كفاءة.


رفض الجمود وتجديد البنية:

التكوين المستمر هو في جوهره رفض للجمود الفكري والمهني. يمثل اعترافاً بأن المعرفة تتطور وأن المهارات تحتاج إلى صقل وتحديث دوري. هو عملية ترتيب جديد وتصفيف للبنية السابقة للمعرفة والمهارة، حيث يتم دمج المستجدات وتحليل التجارب الفاشلة والناجحة لإعادة بناء الممارسة المهنية على أسس أكثر متانة وحداثة.

التموقع الزمني:

يمكن تموقع التكوين المستمر زمنياً في الفترة الواقعة بين لحظتي ما قبل التكوين (التكوين الأساس) وبعده (التكوين المتخصص أو نهاية المسار المهني)، ولكنه في الواقع يمتد على كامل المسار المهني، ويكون دعامة أساسية للتطور الشخصي والمهني بعد التخرج الأولي.


آليات التتبع والتقويم:

لضمان نجاح هذه العملية الحيوية، سواء في التكوين الأساس أو المستمر، من الضروري اعتماد تعامل منهجي وإجرائي وتقويمي شامل. هذا يتطلب:

  • المنهجية: تحديد الأهداف والبرامج بشكل واضح ومنظم.
  • الإجرائية: وضع خطط عمل وتطبيق آليات للتنفيذ الفعال.
  • التقويم: قياس مدى تحقق الأهداف وتأثير التكوين على الأداء الميداني.

هذه الآليات ضرورية للتأكد من التمكن من الأدوات القمينة بتتبع مسار التحسن والتطور، وتحديد نقاط القوة والضعف في البرامج التكوينية، وضبط مسار المتكون لضمان أن يكون التكوين استثماراً حقيقياً يُنتج أطراً تربوية ذات كفاءة عالية ومواكبة لعصرها.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال