أثر مسطرة صعوبة المقاولة على ديون الضمان الاجتماعي: دراسة قضائية لتثبيت اختصاص القاضي المنتدب في قبول الدين، وكيفية إبطال الدفع بالتقادم بإثبات التوصل بالإنذارات واتفاقيات التسوية

القانون المنظم للضمان الاجتماعي وتقادم دعوى التحصيل: تحليل قضائي لأحكام المادة 76 وصعوبة المقاولة

تتناول هذه الدراسة القضائية الأحكام المتعلقة بتقادم ديون الضمان الاجتماعي وكيفية معالجة دعاوى التحصيل ضمن مسطرة صعوبة المقاولة، مع التركيز على دور البيان الحسابي السنوي في بدء سريان التقادم، وإثبات انقطاع التقادم بالإقرار أو إجراءات التسوية.


أولاً: قاعدة تقادم دعوى التحصيل في الضمان الاجتماعي

يُحدد القانون المنظم للضمان الاجتماعي مدة التقادم وشروط سريانه، وهي تمثل الركيزة الأساسية للبت في صحة الدين من عدمها:

  • مدة التقادم وبدايته: تنص المادة 76 من القانون المنظم للضمان الاجتماعي على أن دعوى التحصيل تتقادم بمضي أربع سنوات.
  • نقطة انطلاق التقادم: تبدأ مدة التقادم من اليوم الأول من الشهر الذي يلي شهر صدور البيان الحسابي السنوي الذي يوجهه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS) إلى المدين.
  • وجوب توجيه البيان: يشترط القانون على الصندوق أن يوجه إلى المدين هذا البيان الحسابي، الذي يتضمن العمليات المتعلقة بما له وما عليه عن السنة المالية السابقة، قبل 31 دجنبر من كل سنة. وفي حال إخلال الصندوق بهذا الالتزام، يسقط حقه في المطالبة بالدين.

ثانياً: أسباب انقطاع التقادم وإثبات الدين

في الحالة المعروضة، تمكن الصندوق من إثبات أن التقادم لم يسرِ أو أنه انقطع بفعل إجراءات قانونية وإقرارات من المدين، مما أبقى الدين قائماً:

  • ثبوت توصل المدين بالإنذارات والإقرار بالدين:

  1. أثبتت الوثائق، ومنها كتاب المستأنفة المؤرخ في 13/12/2004، إقرارها بتوصلها برسائل وإنذارات رسمية من الصندوق (مثل الرسالة المؤرخة في 19/1994 والإنذار المؤرخ في 21/4/1995) تطالبها بمراجعة ودفع اشتراكات سنوات سابقة (1990 إلى 1993 وما بعدها).
  2. يعد التوصل الفعلي بالإنذارات بمثابة إجراءات قاطعة للتقادم، مما يبطل الدفع به.
  • اتفاق التسوية كإقرار ضمني:

  1. أقرت الشركة المدينة بوجود اتفاقية مع إدارة الصندوق مؤرخة في لتسوية وضعيتها عن سنوات سابقة (1995 إلى 1998).
  2. كما أقر ممثل الشركة أمام الخبير بوجود أصل الدين وبمحاولة التسهيل في الأداء (رسالة 7/3/1991 التي تطلب تسهيلات للأداء لمدة 8 سنوات)، وقيامها بأداء أقساط منه عن سنوات سابقة (1974 حتى 2004).
  • التطبيق القانوني لانقطاع التقادم: يُعد الإقرار بالدين، أو أداء قسط منه، من أهم أسباب انقطاع التقادم، وذلك تطبيقًا لمقتضيات الفصل 382 من قانون الالتزامات والعقود (ق.ل.ع)، مما يجعل دفع المدين بالتقادم غير مبرر.

ثالثاً: الاختصاص القضائي في مسطرة صعوبة المقاولة

تم تأكيد مبدأ الاختصاص الشامل للمحكمة التي تنظر في صعوبات المقاولة، بما في ذلك القاضي المنتدب:

  • اختصاص المحكمة الشامل: المحكمة المفتوحة أمامها مسطرة صعوبة المقاولة تعتبر مختصة للنظر في جميع الدعاوى المتعلقة بها، وفقًا للفصل 566 من مدونة التجارة (م.ت).
  • القاضي المنتدب كجزء من المحكمة: يعتبر القاضي المنتدب جزءًا لا يتجزأ من هذه المحكمة، وبالتالي فهو مختص بدوره للنظر في طلب قبول الدين ضمن المسطرة الجماعية للمقاولة. وبناءً عليه، تم رد الدفع المثار بخصوص عدم اختصاص القاضي المنتدب أو اختصاص المحكمة الإدارية.

رابعاً: النتيجة النهائية والحكم القضائي

بناءً على ثبوت انقطاع التقادم وثبوت الاختصاص، تم تأييد قبول الدين مع تحديد المبلغ النهائي:

  • قبول الدين: تقرر تأييد الأمر المستأنف في مبدئه (قبول الدين) نظراً لثبوت انقطاع التقادم، ولأن الديون المذكورة تعتبر ديوناً ثابتة على الشركة المدينة.
  • تعديل المبلغ المقبول: تم تعديل الأمر المطعون فيه فيما يخص المبلغ، بجعل دين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مقبولاً ضمن ديون الشركة المدينة في حدود المبلغ الثابت غير المتقادم، وهو درهماً، كما أثبتته خبرة الخبير المعتمد.
  • المصاريف: تقرر جعل المصاريف امتيازية (أي لها أولوية في الأداء على الديون العادية)، وهو إجراء طبيعي لديون الضمان الاجتماعي.

يتضح من هذا التحليل أن الإجراءات القانونية التي يتخذها الدائن (مثل توجيه الإنذارات) والإقرار الضمني أو الصريح للمدين بالدين هي عوامل حاسمة في الحفاظ على حقوق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حتى في ظل وجود مسطرة صعوبة المقاولة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال